(CNN)-- كلما تجولت بين القنوات التلفزيونية هذه الأيام، أعدت نفس الجملة "ها هو الأمر يتكرر من جديد." فجميعها يبدأ نشراته بالكلمات التي تتكرر مؤخرا وأبرزها "الدولة الإسلامية" و"الجهادي القاتل." ولم تكن مشاهدة التلفزيون مثيرة للإحباط لدى المسلمين بقدر ما أصبحت عليه في الأسبوع الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك.
ولدي نفس هذا الإحساس المغرق كلما وقع عمل وحشي في "العالم المسلم" بسبب أنني "لورين وأنا مسلمة أيضا." وما يحبطني باعتباري "متحولة" للإسلام (وهناك مسلمون يعتبرون أنّ كل واحد يولد بديانته) هو أن أرى هذه النزعة الشبيهة بالسير أثناء النوم صوب وسم جميع المسلمين-بغض الطرف عن المكان الذي نعيش فيه والحياة التي نحياها- على أنهم متماثلون ولا فرق بينهم.
وفي الوقت الذي تعاين فيه المجموعة الأكبر هذا الإيماء الخطير وهو ينكشف، من المهم أن لا يكون السؤال بشأن المسلمين البريطانيين أو المسلمين الأمريكيين "كيف يمكننا مواجهة هذا التحدي معا" ولكن "ماذا يمكن فعله بشأن التطرف في المحيط الذي نعيش فيه؟" هذا السؤال يدفع بالملايين منا خارج تيار المجتمع محدثا شروخا في الأماكن التي توجد فيها أصلا خطوط خاطئة.
وتقريبا قبل عقد، عندما كان "الدماغ" المسيحي هو الذي يجري الحوارات في "قناة الإسلام" في بريطانيا، وضعتني وظيفتي على اتصال ببعض أبرز أئمة الإسلام وزعماء وقياديين. لقد قادني اتصالي-بالعديد من الأشخاص النبلاء كانوا يهدونني لطفا بالغا وغذاء وملجأ- إلى البحث في أسرع عقيدة انتشارا في العالم، ونجحت في أن ألامس فكرتها الأساسية: "وحدانية الخالق ."
في ذلك الوقت، زرت فلسطين بصفتي مراسلة صحيفة، وحياتي المهنية في الإعلام الغربي لم تجهزني للتجربة. وانتهى بي المطاف لأن أقتنع بأنه لم يتم إرشادي بالكيفية المثلى حول الإسلام والمسلمين من قبل التعويذة السياسية التي شعارها "إذا لم تكن معي فأنت ضدي."
في يوم من الأيام، عندما كنت أعمل مراسلة من داخل مخيم للاجئين في غزة، اقتادتني مجموعة من الأطفال الحفاة إلى غرفة مظلمة لا تضيئها سوى بعض الشموع بسبب انعدام الكهرباء. تقدمت مني عجوز وقدمت لي الشاي ثم وجدت نفسي وجها لوجه مع شاب يرتدي الجينز وتوجه لي بكل حزم "أنت الآن في منزل الجهاد الإسلامي."
انتبهت ساعتها إلى أنني كنت سافرة وأن ذراعي مكشوفتين وأرتدي ما اعتدت عليه في لندن، وأضاف "ألست خائفة" فأجبته "لأن والدتك تعدّ لي الشاي."
واصل الشاب حديثه بالقول إنه مهما كانت ديانتي، مسيحية أو يهودية أو علمانية أو أمريكية، مادمت قد قدمت لفلسطين بطريقة سلمية فإنه ورفاقه سيتولون حمايتي ويفتدونني حتى بحياتهم وأنهم سيعاملونني –أنا أخت زوجة طوني بلير-غير الصديق للإسلام- على أنني ضيفتهم المبجلة .
لقد ظلت تلك التجربة الأفضل في حياتي المهنية طيلة عقد. وقد أجريت لقاءات مع رجال من حزب الله وحركة حماس وكتائب شهداء الأقصى وجميع من التقيت عبّروا عن نفس الموقف المؤكد لحمايتي وتحملهم مسؤولية سلامتي .
ذلك الشاب في غزة لا يختلف عن أي مسلم عادي في لوس أنجلوس أو لندن أو ليل من حيث نظرته إلى ما يطلق على نفسه "الدولة الإسلامية. والغريب أنه ينظر للمسلمين –بغض الطرف عما إذا كانوا ينتمون لحركة المقاومة في غزة أو يعدون أنفسهم للذهاب إلى المدرسة في مدينة غربية.
ومن الضروري التذكير بأنّه، رغم وحشية قتل الصحفيين الغربيين، ركز تنظيم داعش، مثل جميع الجماعات المتطرفة، تركيزه على قتل المسلمين أولا وعلى الأغلب. كما دعونا نذكر أنفسنا أنّ أحدث تقرير موثوق خلص إلى أنّ المسلمين شكلوا ما بين 82 و97 بالمائة من ضحايا هذه الجماعات خلال السنوات الخمس الماضية.
لذلك فإنني أسألكم، هل تعتقدون حقا أننا لا نهتم بالتطرف؟ أو أنه أمر لا علاقة له بواقعنا أو غير مهم لمجتمعاتنا؟
ويوميا، يكون مسلمون في أسواق مثل كابول أو الموصل عرضة للتفجير من قبل "جهاديين" وفي نفس الوقت نكون نحن في الغرب بصدد حبس أنفاسنا انتظارا للحملة المقبلة لوكالة الاستخبارات الأمريكية أو أجهزة الاستخبارات الغربية والتي تستهدف مواطنين فقط على أساس الديانة أو العرق.
وهناك مخبرون يرتادون مساجدنا في الغرب يقولون لنا إنهم يشاركوننا عقيدتنا ثمّ يغادرون صوب مكاتب أجهزة الاستخبارات لنقل الإخباريات للأجهزة السرية.
لذلك من غير المفاجئ أن ينظر الناخب المسلم لأجهزة الحكومات على أنها معادية له ولذلك خلص تقرير أيضا إلى أنّ 55 بالمائة من المسلمين العرب الأمريكيين عانوا في حياتهم من تجربة خضعوا فيها للتمييز وأن 71 بالمائة منهم يخشون مزيدا من التمييز في المستقبل.
في هذه الأثناء، في بريطانيا، يستخدم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عبارات تصب الزيت على نار التوتر في الشوارع ومسلمون أصبحوا هدفا لجرائم كراهية متزايدة لا تحصى في عدة مدن أوروبية وبريطانية.
وعناوين الأخبار التي تتحدث عن "اقتلاع التشدد" و"الحملات" تعني ببساطة أنّ المسلم الذي لا يشرب الخمر وأنا أيضا، ينبغي أن نستعد لعمليات تجسس على هواتفنا وعلى زيارات مفاجئة من عناصر الأجهزة السرية ومزيدا من المتاعب في المطارات.
أما بالنسبة إلى اليافعين الذي لديهم تخبط في الرؤية أو مدمني مخدرات أو مشاكل صحية عقلية، تدفعهم للالتحاق ببعض الجماعات المجرمة تحت شعار أنّ "الغرب يحطّ من قدرك ومن قدر محيطك."
لذلك ما الذي يجعل السياسيين يعتقدون أنّ الحل في المراقبة والملاحقات الجماعية؟
هناك وصفة من أجل حل طويل الأمد لعمليات غسيل الأدمغة التي يتعرض عدد قليل من الشباب اليافع، وغابت مرة أخرى عن خطابات السياسيين هذا الأسبوع: إنها "العدل والإنصاف" داخل أراضي المسلمين وخارجها.
وربما هناك من سيرد بأنّ صور مسلمين يحملون السكاكين ويقطعون الرؤوس ربما تتعارض مع ذلك المبدأ، لكن تذكروا أنّ ملايين المسلمين شعروا بنفس الإحساس وهو يشاهدون بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 ما جرى في باغرام وغوانتنامو. أليس لنا بصفتنا بشرا جميع الحقوق؟
والآن تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها لإعادة دخول العراق جوا وربما برّا، وإنها فرصة ماثلة لاقتراح استراتيجية ملائمة تتطلب أن لا تعاد تسمية القتل الجماعي للمدنيين المسلمين "أضرارا هامشية" في حرب ليسوا طرفا فيها.
وعلى تلك الاستراتيجية أن تتضمن نقاشات نزيهة وحرة بين تجمعات المسلمين والحكومات حول مسائل مثل السياسة الخارجية وإجراءات مكافحة الإرهاب، من دون إثارة الخوف على أمننا وسلامتنا وحريتنا. سيكون ذلك أمرا راديكاليا فعلا وبالمعنى الصحيح.
بقلم لورين بوث
(لورين بوث هي صحفية تتعامل مع عدة وسائل إعلام. ومن أبرز أعمالها "تذكر فلسطين" و"شتات" لتلفزيون برس تي في. وفي عام 2010 تحولت لاعتناق الإسلام. وتعمل الآن مذيعة لبرنامج "توكينغ بوث" للتلفزيون البريطاني المسلم.