عزيز الدادسي
تعتبر معرفة المخاطب (بكسر الطاء) والمخاطب (بفتحها) عملية ضرورية لفهم الخطاب، وفق ما أقرته النظريات التأويلية الحديثة، ولا نرى محيدا عن هذه النظرية لقراءة مقالة علي أنوزلا "البنعلية" التي نشرها في موقع تونسي، قبل أن تتناقلها بعض المواقع المغربية، وهو إعادة تنويع على مقال سابق كتبه في موقعه، الذي أوقفه طواعية بعد تورطه في نشر شريط لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يدعو فيه أصحابه إلى ممارسة التخريب والقتل بالمغرب، ولم يفعل سوى إعادة الصياغة مع إدماج بعض الوقائع الطارئة.
ونبدأ من الآخر كما يقال، ونتساءل من أخرج علي أنوزلا من قمقمه كمارد موجود في البرك الآسنة؟ من أوحى له بالظهور في اللحظة والحين وما الهدف،؟
آخر اشتغالات علي أنوزلا مقالات يكتبها لموقع العربي الجديد، ويعاد نشرها في صحيفة العربي الجديد، التي انطلقت أخيرا من لندن وبيروت، وتحت إشراف مباشر لعزمي بشارة، الذي يعتبر المستشار الإعلامي لأمير قطر، لكن يلعب دورا في استقطاب الصحفيين والمثقفين والكتاب والفنانين للاستمرار في لعبة الربيع العربي البائد.
وحسب معطيات توفرت لدينا فإن صحيفة "عزيمة" تمنح تعويضات عالية جدا لا تناسب ما ينشره أصحابها، ولكن وفق أدوارهم، وهي تؤدي الثمن الغالي حتى عن الحوارات، التي تجريها مع الكتاب ورجال السياسة، وهو ما اعتبره البعض رشاوى أو تمويلات للقيام بأفعال مجنونة في البلدان التي لم ترضخ لشروط راعية الربيع العربي الداعشي.
وآخر ما كتب علي أنوزلا أسابيع قبل إغلاق موقعه مقال عن دولة خليجية توجد على طرفي نقيض مع راعية الربيع العربي، ولهذا لا غرو أن يصف أنوزلا علي أنوزلا محمد مرسي بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا يتم الانقلاب عليه، دون إشارة بسيطة للإعلان الدستوري المكمل الذي لا يخرج عن نطاق ما قام به هتلر المنتخب ديمقراطيا المنقلب على الديمقراطية.
فالمخاطب أنوزلا أغلق موقعه منذ مدة طويلة، ولا يشتغل رسميا مع أي جهة، ومع ذلك يعيش نفس السلوك الأريحي ويؤدي فاتورة الماء والكهرباء وكل الاقتطاعات البنكية ودون عجز، ويمارس حياته الطبيعية. إن كنا لا نتمنى لأحد أن يعيش بئيسا لكن من حقنا التساؤل عن مصدر أمواله، التي لا تخرج عن دائرة عطايا عزمي بشارة والتي تعتبر تمويلات للقيام بالتشويش على أي تجربة لا يرضى عنها أسياده.
وعودة إلى الموضوع فالبنعلية تعني الدولة البوليسية، ومن العيب أن يقوم علي أنوزلا بتشبيه الدولة المغربية بهذا النموذج، وهو الذي يكتب ما يشاء ويتحرك كيف يشاء وينتقد رموز الدولة، وهذا المقال كاف في تونس البنعلية بالزج به في السجن أو "يغبروا ليه الأثر" كما حدث مع الكثيرين.
علي أنوزلا أصبح يشتغل حسب ماهو ظاهر بالمكشوف، فهو لم يعد ذلك المرتزق الانفصالي، الذي يتحرك يمينا وشمالا لتقويض الجهود المغربية المبذولة في مناحي كثيرة من بينها حقوق الإنسان، وإنما أصبح يلعب دور المشوش الدولي، وخاصة من قلعة دولة صديقة مثل تونس، وكأنه يدعم جهود العسكر والمخابرات الجزائرية في إبعاد المغرب من الساحة المغاربية.
يمكن التساؤل، هل أنوزلا يعي ما يقوم به؟ الجواب: نعم هو يعي جيدا الدور المنوط به، وبالتالي فإن ترك الحبل على الغارب يمكن أن يوصل المغرب إلى أمور غير محمودة.
حيث قال أنوزلا إن من مؤشرات البنعلية في المغرب التضييق على الإسلاميين. واعجباه، كيف يجمع النقيض إلى النقيض. ففي الوقت الذي كان الإسلاميون في المغرب يتجهون نحو الانخراط في العمل السياسي، إلا من أبى واستكبر وتم تركه في حاله، كان نظام بنعلي يقتل الإسلاميين وكان الغنوشي في المنفى وآلاف الإسلاميين في السجون، ووقتها كان بعض منهم أصبح برلمانيا مثل المقرئ أبو زيد الإدريسي وعبد الله شبابو، اللذين ترشحا مستقلين.
ويتحدث علي أنوزلا عن فبركة الفضائح الأخلاقية للمعارضين، مع العلم أن بعض الفضائح التي يتحدث عنها اقتنع المعنيون بها بحقيقتها من قبيل تواري المرأة القوية في جماعة العدل والإحسان عن الأنظار، بفعل ضغط قواعد الجماعة، ولم يفبرك لها أحد شيئا، وإنما وقعت في الفخ برجلها.
ويكتب عن استمرار التضييق ومحاصرة أنشطة كل التنظيمات التي ترفض المشاركة في اللعبة السياسية، بناء على قواعد التحكم التي تضعها السلطة. وخاصة جماعة "العدل والإحسان"ذات التوجه الإسلامي، وحزب"النهج الديمقراطي"ذا التوجه اليساري الماركسي اللينيني.
وواقع الحال أن هذين التيارين يشتغلان بحرية، لكن يتم التصدي لهما كلما أرادا خرق القوانين الجاري بها العمل، وإلا أصبح الأمر فوضى لا رادع لها، مع العلم أن التنظيمين يتعمدان افتعال الأعمال الخارقة للقانون قصد استفزاز السلطة.
أما فيما يخص زعمه بأن السلطات تمنع تأسيس بعض الأحزاب السياسية والنقابات من قبيل حزب الأمة والبديل الحضاري والاتحاد المغربي للشغل/التوجه الديمقراطي وغيرها، فإن الأمر يتعلق بعدم استيفاء شروط التأسيس، أو الاعتراض على الاسم واللوغو من طرف جهة أخرى كما حدث مع النقابة المذكورة.
هذه نماذج على اهتزاز القرائن التي احتج بها علي أنوزلا على التشبيه بين النظام المغربي وبالبنعلية، ولو كانت البنعلية هي الحاكمة اليوم في تونس وليس النظام الديمقراطي لما تم السماح له بكتابة ما كتب، لكن حر في بلاد الحرية والديمقراطية ولا يمسه أحد إن لم يخرق القانون كما سبق أن فعل مع نشر فيديو لتنظيم القاعدة.