تعمدت وسائل الإعلام الفرنسية استغلال الجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها مواطن سنغالي في طنجة لكي تضع المغرب في خانة الدول العنصرية، وهذا الخيار ليس وليد الصدفة وإنما هو حلقة ضمن خطة سبق أن شملت إهانة شخصيات مغربية أثناء تواجدها بالديار الفرنسية إما في إطار القيام بمهام رسمية او من اجل العلاج، فما زال من الفرنسيين من لم يستسغ بعد أن المغرب الذي كان بالأمس القريب مستعمرة فرنسية تحول إلى دولة تنافس فرنسا في القارة الإفريقية، وخاصة منها الدول الفرنكوفونية.
الجريمة التي وقعت في طنجة لا تختلف عن مثيلاتها التي تقع في مختلف أنحاء العالم، والتي لا تكون دوما بين عرقين مختلفين، بل تكون أحيانا أكثر بشاعة بين الأزواج والإخوة والأصول والفروع وبني العمومة، وسجل القضاء الفرنسي غني بالتصفيات الجسدية التي تدخل في هذه الخانة، ومع ذلك لا تذهب المنابر الإعلامية الفرنسية إلى حد اتهام فرنسا أو غيرها من الدول التي كانت مسرحا لجرائم القتل البشع بالعنصرية.
نفس السيناريو ينطبق على المظاهرة التي نظمها أفارقة سود في طنجة احتجاجا على الجريمة، ففي كل دول العالم تنظم تظاهرات تندد بوقائع معينة، وفي كل دول العالم تتدخل القوات الأمنية لتفريق التظاهرات، وخاصة منها غير المرخص لها أو التي تعمد المسؤولون عدم الترخيص لها كما وقع في فرنسا مع المعادين للعدوان الإسرائيلي على غزة، فالتظاهر يخضع لقوانين تختلف من بلد لآخر، والتجاوزات التي يمكن أن تسجل في قمع هذه التظاهرة أو تلك لا تعني بالضرورة أنها تكتسي طابعا عنصريا أو غيره من الأوصاف المهينة، كما أن انتقاء صورة متظاهر أو مجموعة من المتظاهرين ممن يحملون يافطات كتبت عليها شعارات تنعت بالعنصرية أو النازية أو غيرها يكون له وقعه على المتلقي ولكنه يخضع بالضرورة للخط التحريري للمنبر الذي نشرها.
لا يخفى على الإعلام الفرنسي بكل توجهاته، بأن الاتحاد الأوروبي هو الذي ضغط على المغرب من أجل وقف الهجرة السرية إلى القارة الأوربية، كما لا يخفى عليه بأن هذه السياسة الأوربية هي التي حولت المغرب من دولة عبور إلى دولة استقبال، ولا يخفى عليه كذلك أن السياسة الدولية هي التي حولت مجموعة من دول جنوب الصحراء إلى دول عاجزة عن تأمين الأمن بكل أشكاله، بما في ذلك الأمن الغذائي، لمواطنيها وفرضت عليهم النزوح في شروط لا إنسانية.
نذكر بهذا لأن فرنسا المدعومة بالاتحاد الأوربي تتعامل مع المغرب معاملة من يقتل الميت ويمشي في جنازته، إنها تتجاهل دور الاستعمار في تحويل شعوب دول إفريقية غنية بثرواتها الطبيعية، إلى نازحين فارين من البؤس والأوبئة والتصفيات العرقية وتدفع حلفاءها في الغرب إلى مواجهة المزيد من انتقاذات من كانوا أصلا ضد قيام المغرب بدور الدركي لحماية أوربا من تبعات الهجرة السرية.
نذكر بهذا كذلك لأن فرنسا التي فقدت كل مقومات تصنيفها في خانة الدول العظمى، صارت تسترشد بخطى السياسة الجزائرية وتسعى إلى التغطية عن تدهور أوضاعها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية بتهويل ما يقع عند غيرها.
من المحقق أن تأثير الإعلام الفرنسي على المتلقّي أكبر بكثير من تأثير التصريحات السياسية والديبلوماسية عليه، والإشادة الأوربية الرسمية الدائمة بالدور الذي يلعبه المغرب في حماية أوربا من الهجرة السرية ومن تهريب المخدرات ومن الإرهاب، سرعان ما تفقد كل معانيها عندما تستعمل حرية التعبير كمبرر لتحميل المغرب ما لا طاقة له به.
لقد كان حريا بفرنسا وبكل من يدعي نصرة حقوق الأفارقة السود، أن تدعم الخطوات التي خطاها المغرب في مجال تسوية وضعية كل النازحين، الأفارقة منهم وغير الأفارقة، السود منهم والبيض والصفر، فتسوية الوضعية في ظل ظرفية اقتصادية دولية صعبة هو خيار شجاع، ليس فقط لأنه يبني أسس تقوية الروابط مع مختلف دول وشعوب القارة الإفريقية، ولكنه كذلك لأنه يُغضِب من لهم أطماع في حل مشاكلهم الداخلية بنهب خيرات الشعوب الإفريقية.
إن ما وقع في طنجة حدث عابر، وقد شرعت الحكومة المغربية في العمل على تطويقه من خلال الاتصالات الرسمية الجارية مع الحكومة السنغالية، ومن غير المستبعد أن يكون موضوع مساءلة الحكومة المغربية وكل من له علاقة بما وقع، ولكن ما يقع باستمرار في الدول الإفريقية، بإيعاز وتمويل وتموين من دول غير إفريقية، هو الذي يستحق أن يكون موضوع اهتمام الصحافة التي تخدم فعلا مبادئ الحرية والمساواة والتآخي حتى وإن كانت مصالح البلدان التي تنتمي إليها تقتضي اعتماد توجهات مغايرة، فمن كان بيته من زجاج لا يرشق بيوت الجيران بالحجارة.
عبد القادر الحيمر