لعل الغموض الكبير والفوضى الأكبر التي رافقت قرار فرض ترشيح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لولاية رابعة، وما صاحبهما من لغط وجدل حول دستورية أو لا دستورية ترشّح رئيس يعاني من العجز والمرض شاهده وشهد عليه العالم بأسره، هو نفس الغموض ونفس الفوضى التي يسير على إيقاعها مسلسل "هيتشكوكي" يقضي بتصفية الحسابات تمهيدا لقرارات، أو قرار أكبر على المدى المنظور. لحد الآن تخرج جميع البيانات الرسمية المنسوبة إلى قصر المرادية بأن الرئيس بوتفليقة هو من قرر سلسلة إقالة وإبعاد عدد هام من كبار مستشاريه، وعلى رأسهم عبد العزيز بلخادم الذي كان يرى البعض أن تقريبه إلى دائرة الرئيس بمثابة إعلان نوايا بشأن خلافته لبوتفليقة. وبالرغم من طرده من قصر المرادية، فإن آراء أخرى ما زالت ترى أن الأمر مجرد عملية تنويم لخصوم بلخادم لفترة زمنية قبل عودته وإعادته بقوة ليحتل المشهد السياسي، وتكون له الكلمة الفصل لما بعد عهد بوتفليقة. وما يثير الاستغراب هو استثناء بلخادم من إعلان قرار إبعاده في الجريدة الرسمية، في حين إنه تم نشر قرار إبعاد كل الذين تمت إقالتهم من بعده سواء كانوا مدنيين أو عسكريين. الأمر الثاني اللافت في سلسلة الإبعاد، يتمثل في خطوة غير سهلة شملت المؤسسة العسكرية، حيث انتقلت "العدوى" لتشمل مسؤولين كبارا في الجيش الجزائري، من قبيل اللواء محمد التواتي، الملقب بـ"المخ"، الذي كان مستشارا لشؤون الدفاع لدى بوتفليقة، ورئيس ديوان الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع، اللواء رشيد زوين، واللواء يوسف مذكور، ورئيس أركان الحرس الجمهوري العميد عبد القادر عوالي، ورئيسي أركان الناحيتين العسكريتين الأولى والخامسة، العميدين عبد القادر بن زخروفة، والسعيد زياد. بناء على هذا، لا يستبعد المتابعون للشأن الجزائري أن تحط "عدوى" الإبعاد في بهو مقر الحزب العتيد الذي يمثله حزب جبهة التحرير الوطني الذي يشكّل الذراع السياسية للنظام. وقد تستهدف قيادته وعلى رأسها الأمين العام المثير للجدل، عمار سعداني الذي تثار حوله اتهامات بالفساد وسوء التدبير وصلت رائحتها وتفاصيلها إلى الرأي العام. ومن غير المستبعد أن تكون رأسه مطلوبة أكثر من أيّّ وقت مضى. بعيدا عن التساؤل التقليدي فيما إذا كان الأمر يتعلق بصراع الأجنحة حول السلطة، وبتدخّل المؤسسة العسكرية، المتحكّمة في مصير البلاد منذ إعلان الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بعد استقلالها عن فرنسا، يبقى التساؤل الكبير هو: هل فعلا الرئيس بوتفليقة هو الذي يقدم على هذه الإقالات؟ هل هو الذي يوقّع على هذه القرارات؟ أم أن جهة من الجهات المتصارعة على السلطة هي من تقوم بكل هذا خاصة في غياب ظهور حقيقي لبوتفليقة، لدرجة أن الرأي العام في الجزائر يتناقل نكتة مفادها أن بلخادم لا يصدّق بعد، أن بوتفليقة أقاله، ويحكى على لسانه أن بوتفليقة لا علم له بإبعاد أو طرد صديقه ومستشاره بلخادم. إنها حالة تعكس حقيقة الوضع الشاذ في الجزائر: من يقيل من؟ ومن يطرد من؟ ومتى يتوقّف هذا المسلسل الهيتشكوكي؟ للإشارة فقط: لقد قضى الرئيس الراحل الهواري بومدين زمنا طويلا في حالة غيبوبة من دون أن يتجرّأ أحد على تسريب خبر وفاته إلاّ بعد ترتيب البيت الداخلي وإعداده للقادم الجديد.
حمادي الغاري.