أنهى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة مهام رئيس أركان الحرس الجمهوري العميد عبد القادر عوالي، في سياق سلسلة قرارات، شملت عدداً من القيادات العسكرية العاملة في الجيش والهيئات الحكومية.
وأحدث بوتفليقة تغييرات في رؤساء أركان المناطق العسكرية، إذ انهى مهام رئيس أركان المنطقة العسكرية الأولى، العميد عبد القادر بن زخروفة، ورئيس أركان الناحية العسكرية الخامسة، العميد السعيد زياد، وعيّن بدلاً منهما، العميد نور الدين حداد، والعميد خليفة غوار.
كما أقال الرئيس الجزائري، رئيس ديوان وزير الدفاع الوطني، اللواء رشيد زوين، واللواء يوسف مذكور، المكلف بمهمة لدى وزير الدفاع، وعين قائد أركان الجيش اللواء قايد صالح كوزير منتدب للدفاع الوطني.
ويأتي ذلك، بعد إقالة عدد من المستشارين العسكريين في الرئاسة، أبرزهم قادة في أذرع حيوية تابعة لجهاز الاستخبارات، مثل مستشار شؤون الدفاع لدى الرئيس، اللواء محمد تواتي.
ولم يتم الكشف عن الأسباب الحقيقية لهذه الحملة الواسعة التي شملت مجموعة من المستشارين والمسؤولين على مستوى رئاسة الجمهورية، والتي يتردد أنها تأتي في إطار خريف غضب، على اعتبار أنها سابقة خلال 15 عاما من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهي تعيينات و إقالات تخدم شقيق الرئيس والحاكم الفعلي للجزائر حاليا السعيد بوتفليقة،لأنها أسماء ليست مقربة منه ولا تخدم مصالحه وبالتالي قام بإزاحتها وتعيين شخصيات مقربة منه .
وتأتي سلسلة التغييرات والإقالات، دون أن يصاحبها إعلان عمن سيخلف المستشارين والمسؤولين الذين تمت إقالتهم، تماما مثلما هو الأمر بالنسبة لمستشارين ومسؤولين آخرين تمت إقالتهم من الرئاسة قبل ذلك بقليل، مثل السكرتير الخاص للرئيس محمد روقاب، والمستشارين بالرئاسة محمد مقدم ورشيد عيسات.
كما تأتي هذه التغييرات في إطار "إشاعات" عن قرب إجراء تغيير حكومي موسع، يشمل عدة وزارات في حكومة عبد المالك سلال.
وفي تقدير مراقبين فإن خطوة بوتفليقة، أو من ينوبه، حرصت على مراعاة لعبة التوازنات بين مؤسستي الرئاسة وجهاز الاستخبارات، بما أن هذه الخطوة مست عددا من الضباط المنضوين تحت قيادة هيئة الأركان، ولم تمس أيّا من قيادات جهاز الاستعلامات بمن فيهم الرجل الأول في الجهاز، الفريق محمد مدين (توفيق) الذي تجاوز سن التقاعد بكثير (74 سنة).
وصرح جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" أن "حركة بوتفليقة في المؤسسة العسكرية وسلك المستشارين، تعطي الانطباع أن السلطة تتعاطى مع الوضع بشكل عادي، غير مستشعرة الأخطار التي تهدد البلاد، وأنها ماضية في ترتيب أوراق العهدة الرابعة، بالشكل الذي وعد به بوتفليقة وكلاءه".
وجاءت الحركة المعلن عنها رسميا في الجريدة الرسمية، غير متوافقة مع التسريبات التي رشحت قبل أشهر وأسابيع حول تحضير تغييرات واسعة في هرم المؤسسة العسكرية وسلك المستشارين.
واللافت أن الجريدة الرسمية لم تشر إلى استغناء الرئيس عن خدمات الذراع الأيمن، عبدالعزيز بلخادم، الذي تقرر إبعاده من كل المهام الرسمية في الدولة، وحتى من حزب جبهة التحرير، الأمر الذي يطرح أسئلة عما أسماه الرجل بـ "إقالة بواسطة مصدر مجهول وبرقية وكالة إخبارية".كما اكتفت بعدد محدود من الضباط (عمداء وألوية)، عكس التسريبات التي أشارت إلى حركة واسعة تمس حوالي 70 ضابطا، مما يؤكد فرضية استمرار التوازنات داخل السلطة، وما تم هو من باب إثبات حضور الرئيس في المشهد أمام شائعات وانتقادات عجزه عن أداء مهامه الدستورية، وتوكيل إدارة شؤون البلاد للمحيطين به، خاصة ما بات يعرف بـ "السينات" الثلاث وهم (سعيد بوتفليقة وعمار سعداني وعبدالملك سلال).
وقال مراقبون إن الحركة التي أعلن عنها بوتفليقة، قد تكون مقدمة لسلسة تغييرات هيكلية كبرى في علاقة المؤسسة التي تشكل محور السلطة التنفيذية في البلاد بباقي السلطات، لا سيما وأن هذه التغييرات باتت وسيلة من وسائل حكم بوتفليقة، لإثبات الحضور المتكرر والتحكم في سلطة القرار.
وربط ملاحظون هذه التغييرات بقرار إنهاء وزير الدولة المستشار بالرئاسة عبدالعزيز بلخادم، في رسالة من داخل السلطة تقول إن مؤسسة الرئاسة هي مركز نظام الحكم، وأن لا مؤسسة أخرى يمكن أن تتصرف دون إذنها.
وكانت مجلة الجيش في عددها الأخير، قد أكدت على ما أسمته بـ "التزام الجيش بالمهام الدستورية في حماية الحدود"، في إشارة إلى عدم التورط مجددا في المسائل السياسية، كرد منها على الأصوات التي دعت المؤسسة العسكرية إلى التدخل بعد إقالة قيادات نافذة منها وعدم الاستماع لموقفها الرافض لترشيح بوتفليقة لدورة رئاسية رابعة.
وتقول تسريبات إن بوتفليقة يجهز لتعديلات دستورية جديدة تعطي رئيس الحكومة صلاحيات كبيرة بغاية قطع الطريق أمام أي دور للجنرالات في التأثير على اتخاذ القرارات، بينما تطالب شخصيات سياسية بإشريك الجيش في توفير شروط انتقال ديمقراطي يحظى بالتوافق الوطني.
وكان رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، والمحامي والحقوقي، مقران آيت العربي، قد شددا في أكثر من مناسبة، على ضرورة مساهمة المؤسسة العسكرية في تحقيق "توافقات" بين السلطة والمعارضة، من أجل المضي نحو تحقيق انتقال ديمقراطي بعيدا عن العنف أو الفرض من الخارج.