يتأكد مرة أخرى صواب الرؤية المغربية للتعامل مع سرطان الإرهاب الذي بدأ يتغلغل في القارة الإفريقية عموما، ومنطقة الساحل والصحراء، على وجه الخصوص، خلال السنوات الأخيرة. وما تعرفه بلدان مثل الجزائر وليبيا ونيجيريا.. يعطي صورة واضحة على أن الأمر لا يحتمل المزيد من المزاح أو اللاّمبالاة التي ظلت تنهجه بعض الأنظمة في المنطقة سعيا منها لخدمة أهدافها وأطماعها التوسعية على حساب أمن واستقرار وسيادة ووحدة شعوب وبلدان مجاورة. ما تقوله المملكة اليوم قالته بالأمس بالحجج والمعطيات وليس بالكلام الفارغ أو الأوهام، وذلك حرصا منها على سيادة ووحدة تراب جميع دول المنطقة والقارة، وتمكينها من الاعتماد على نفسها، وفيما بينها، في تنمية مقدراتها وإمكانياتها انطلاقا مما تتوفر عليه من طاقات وموارد وثروات طبيعية واقتصادية وبشرية. وقد خطّ المغرب لنفسه هذا المنهج ورغب في إشراك أشقائه الأفارقة معه في إطار من المساواة والاحترام والشراكة الفعالة المعقلنة التي تروم النهوض بالشعوب والدول الإفريقية، والانتباه إلى أنها تملك من القدرات والطاقات ما يجعلها تواجه، مجتمعة وفي إطار من التضامن الحقيقي، كافة التحديات والعراقيل التي تحول دون تنميتها وقيامها. وما الجولة الملكية التي شملت عددا من الدول الإفريقية، وما نتج عنها من إبرام اتفاقيات تعاون وشراكة على مختلف الأصعدة، سوى دليل من بين عشرات الأدلة على صدق وصواب الرؤية المغربية. تأتي التهديدات الإرهابية التي تئنّ منها الأجواء اليوم، لتؤكد صدقية ومصداقية وصواب الرؤية المغربية من دون ادّعاء أو انفعال أو تشنّج. ذلك أن المملكة كانت تنبه وتحذر من الأوضاع الخطيرة التـي تسود عددا من دول المنطقة. وحين كانت تقوم بذلك، فليس من أجل أن تزعم أنها "دركي المنطقة" كما تهرول بعض الأنظمة لكسب تلك الصفة من بعض القوى الكبرى، وليس من أجل ادّعاء ريادة زائفة أو وهمية، بل من أجل إشاعة أجواء الأمن والاستقرار لأن هذه الأجواء هي التي تضمن وتغري بجلب الاستثمار، ومن أجل بناء فضاءات ثقة بين الدول الإفريقية نفسها، وليس تشييد سياجات وجدار ومخيمات على الرمال وإيهام المغرّر بهم بتشكيل كيانات ودول خاصة بهم. هنا بالذات تكمن بؤر التوتر والإرهاب. وبناء على هذا، فمن الممكن ظهور "بوليساريو" أخرى في منطقة أخرى؛ ومن الممكن بروز "حركة بوكو حرام" ثانية في بلاد ثانية. لا شيء يمكن استبعاده مع تكاثر وتناسل بؤر الإرهاب في مختلف أنحاء القارة السمراء وخارجها. المغرب بقدر ما يحرص على وحدته بقدر ما يعمل على تأمين وحدة الأشقاء؛ المغرب الذي يسهر على تنمية نفسه وتحصين تطوره بالمنجزات والمشاريع الطموحة، هو نفس المغرب الذي يريد إشراك الآخرين في تجربته والاستفادة المشتركة من جميع الإمكانات والموارد مع دول المنطقة والقارة في إطار من الاحترام والنّدّية. وقد وجد المسعى المغربي، الداعي إلى التضامن الحقيقي، كل الترحيب في أرجاء إفريقيا التي سارعت الكثير من دولها إلى الانخراط في المشروع المغربي الذي يجعل من التنمية والاعتماد على الإمكانات والطاقات الذاتية والموارد المادية والبشرية الحصن الحصين لمواجهة الإرهاب الذي غدا كالسرطان ينخر الكيانات، ويهدد باكتساح أخرى. ولذلك كان المغرب ينهج سياسة استباقية لمحاصرة وإبعاد هذا الخطر، بل مجابهة أدواته وعناصره، كلما ظهر أنه يطل برأسه هنا أو هناك. وكانت سياسة ناجحة ويزيد في نجاحها التجاوب الفعلي للشعب المغربي الذي تتحطم على صخرته كل أشكال الدسائس والمؤامرات والتهديدات.