أجرت الحوار : بشرى بنيوسف
لم يعد أمام الجزائر وأزلامها بمخيمات تندوف من سبيل سوى التسليم والقبول بحقيقة أن الحل القائم على الخيار المتطرف أصبح، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، غير قابل للتطبيق وغير متوافق مع واقع المنطقة، وهي حقيقة حسمت فيها الأمم المتحدة منذ عدة سنوات.وذكر الأستاذ بجامعة نيويورك، محمد بوتجدير، أن الأمم المتحدة “قطعت” مع قضية الاستفتاء بالصحراء المغربية “بعد وقوفها على عدم إمكانية تطبيقها” موضحا أن هذا “معطى الأمم المتحدة وليس معطى المغرب”.
وقال الأستاذ الجامعي في هذا الاطار “لقد قبلنا بالاستفتاء وعملنا على التعاون مع الأمم المتحدة لتنفيذ الاستفتاء بين عامي 1991 و 2000″.
وتابع السيد بوتجدير، الذي يرأس أيضا شبكة الكفاءات الأمريكية المغربية، أنه في عام 2000، “قادت استحالة جمع كتلة ناخبة الأمم المتحدة إلى الاستنتاج بأن الاستفتاء غير قابل للتطبيق” بالصحراء المغربية لأسباب واضحة.
بالفعل، أوضح الخبير أنه “حينما لا تستطيع تحديد الكتلة الناخبة لا يمكنك إجراء استفتاء حقيقي”، ومن هنا “ليس من الممكن إجراء استفتاء بحوالي 50 في المئة من الكتلة الناخبة وتجاهل 49 في المئة”.
و”بعيدا عن أي تجاهل لالتزاماتها ، تعاملت المملكة دوما وفق خلاصات الأمم المتحدة ، وظلت متمسكة بمواكبة جهود الأمم المتحدة ، والمساهمة بجدية للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة ودائمة ومقبولة من الأطراف”، وخاصة من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي حظي بالاعتراف كونه “واقع وذو مصداقية”.
وأضاف أن “المغرب عمل لسنوات على وضع مبادرته” للحكم الذاتي ، عبر استلهام التجارب الموجودة، ووعيا منه “بالمصالحة الضرورية وإشراك سكان الأقاليم الجنوبية مع أقربائهم في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري”.
كما حرص المغرب على توضيح الأبعاد المختلف لهذه المبادرة ، وإبراز جوهرها الديموقراطي الصرف ، ومضمونها الطلائعي ، وانفتاحها على المستقبل ، وكذا التأثير الإيجابي لتنفيذها على السكان المعنيين والدول الخمس بالمنطقة.
ويرى بوتجدير أن فرص نجاح المفاوضات “لا تزال ضعيفة إن لم تكن منعدمة” في ظل غياب استعداد الأطراف الأخرى للتوصل إلى تفاهم وغياب الجهود المطلوبة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.
وقال إن عددا من الدبلوماسيين المقربين من مجلس الأمن بالأمم المتحدة أكدوا على هذا المعطى بحيث “لن يكون هناك أي اختراق دون تحسن العلاقات” بين الرباط والجزائر، والذي يعتبر “نقطة محورية” في المفاوضات.
كما يؤكد مجلس الأمن بقوة على ذلك، أخذا بعين الاعتبار الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المعرضة لمخاطر قد تعمل على زعزعة الاستقرار والتي تعيش تحت تهديد التنظيمات الإرهابية.
وأبرز الأعضاء الخمسة عشر بمجلس الأمن في القرار الأخير الذي مدد بعثة (المينورسو) لسنة أخرى أن “التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الذي طال أمده، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء باتحاد المغرب العربي سيساهمان في تحقيق الاستقرار والأمن بمنطقة الساحل”.
وإذا كانت الجزائر تحاول، عبر “أزلامها”، التنصل من أية مسؤولية مباشرة، فإن القرار المصادق عليه بإجماع أعضاء مجلس الأمن يذكرها بشدة بالتزاماتها. ومن بينها أولا القيام بإحصاء سكان مخيمات تندوف، ثم المساهمة في الحل السياسي.
أمنية ستذهب أدراج الريح. فالجزائر، وحسب مراقبين مطلعين على الملف، “لا تريد التوصل إلى تسوية لهذا النزاع الإقليمي”، مضيفين أن جبهة (البوليساريو)، التي عاد مؤسسوها الرئيسيون إلى المغرب ، ليس بمقدورها اتخاذ موقف بهذه القضية، لأنها لا تتوفر لا على “الشرعية، ولا على هامش المناورة، وليست في مستوى رهان القضية”.
بالنسبة للجزائر، فالمشكلة تتعلق بالريادة الإقليمية. أما بالنسبة ل (البوليساريو)، الذي لا يتوفر على أي مشروع مجتمعي، فيتعلق الأمر بأصل تجاري تستغله لقضاء مآربها الخاصة بشكل يومي ، سواء عبر تحويل المساعدات الغذائية – منظمة (فرانس ليبيرتي)، التي كانت تقدم دعما كبيرا للجبهة في حينه، انتقدت في تقرير مهم هذا الأمر – أو عبر اللعب على الوتر الانساني والتعاون مع المهربين، وهو المعطى الذي كان غائبا على المجموعة الدولية رغم التحذيرات العديدة للمغرب.
وكان الممثل الخاص السابق للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ايريك يانسن قد حذر من خطر قيام ما أطلق عليه “ساحلستان” على أبواب المغرب العربي.
ويرى محللون أنه لم يعد ممكنا، اليوم، اتباع الجزائر في مراميها التوسعية، والتي تخفيها بعناية وراء “المبدإ النبيل لتقرير المصير”، بل يتعين انتهاج البراغماتية والتحرك لمواجهة حقيقة مقلقة، تتمثل في التهديد الإرهابي الآخذ في الاتساع بمنطقة الساحل والصحراء.
وأشار ذات المحللين إلى أنه وللأسف، فالخطاب الجزائري لم يأت بجديد لأنه لا ينطبق على حقيقة الوضع على أرض الواقع، معتبرين أنه “ربما قد تكون هناك مشكلة أجيال”.