فعوض الترويج للتظاهرات الانفصالية المصطنعة التي يشارك فيها حضور سري ومسخر، حان الوقت بالنسبة للنخبة السياسية الجزائرية أن تتخلى عن ردود فعلها الهيمنية التي تعود لحقبة الحرب الباردة والشروع في تفكير عميق في مستقبل المنطقة.
غير أن مثل هذه المنهجية تفترض الإقرار المؤسف بأن كثيرا من الوقت تم تضييعه على حساب التطلعات المشروعة للشعوب في هذه المنطقة من العالم إلى الاندماج في إطار يسمح بتقاسم ثمرات حسن الجوار من خلال الوعي بميزاته.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا يوجد سبيل أنجع من استلهام دروس التاريخ التي تؤكد جميعها أن الانفصال شكل على الدوام أرضية خصبة للأفكار المتطرفة وأدخل الشعوب في بؤر المواجهات والعنف. ولعل الترابط القائم بين البوليساريو والمجموعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة خير دليل على هذه الحقيقية.
إن الوضع الإقليمي الراهن يدعو النظام الجزائري إلى ترك القوالب الإديولوجية المتقادمة للحرب الباردة والتخلي عن طموحات هيمنية أثبتت عدم جدواها من أجل التكامل الإقليمي وتجميع الجهود والثروات في المنطقة المغاربية.
فلا توجد أي ضرورة سياسية تبرر الاستمرار في تجاهل مصير الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف والتي تحولت إلى مخيمات للموت مفتوحة على السماء. فالمأزق الذي توجد فيه اليوم قضية الصحراء لا يطاق.
ألم يخلص بتير فان والسوم المبعوث الشخصي الاسبق للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء إلى أن ” السبب الرئيسي الذي يجعلني أجد أن وضعية الجمود لا تطاق هو أن هذه الوضعية أصبحت مقبولة بسهولة ليس فقط من بين المتفرجين غير المنخرطين في الملف من البلدان البعيدة، بل أيضا من طرف الأنصار المتحمسين للبوليساريو والذين لم يجربوا هم أنفسهم العيش في المخيمات ومع ذلك فهم مقتنعون بأن أولئك الذين يعيشون فيها يفضلون البقاء هناك إلى ما لانهاية عوض دعم حل متفاوض بشأنه يكون أقل من الاستقلال التام”.
بالنسبة لفان ولسوم فإن “استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا “، لكونه يسير في الاتجاه المعاكس لاعتبارات جيواستراتيجية ملحة، تتمثل في المقام الأول في تكامل اقتصادي قادر على زيادة معدلات نمو بلدان اتحاد المغرب العربي بنسبة 2 في المائة .
كما أن أخذ الواقع السياسي والحقوق التاريخية للمغرب في صحرائه بعين الاعتبار لا يمثل امتيازا أو استسلاما، بل هو على العكس استحقاق.
ويجمع الخبراء الأمريكيون على أن توالي سحب الاعتراف من بلدان في شتى بقاع العالم ب(الجمهورية الصحراوية الوهمية) يعد دليلا آخر على وجاهة مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، باعتباره حلا توافقيا يضمن أمن المنطقة ويتماشى مع تطلعات شعوبها إلى تحقيق الاندماج والازدهار.
وسجلوا أن “العالم بات يدرك أكثر فأكثر وجاهة واستدامة مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، وهو الحل الذي دعا إليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، مشددين على أن “العالم بصدد الإقرار بأن هذا المقترح هو التسوية الوحيدة التي ستمكن من المضي قدما لإيجاد مخرج لهذا المشكل من خلال وضع حد للمحنة التي يعاني منها السكان المحتجزون في مخيمات تندوف في جنوب-غرب الجزائر ، الذي تأسر قادته رؤية مشوهة للواقع.
ومن المؤكد، أن الإصرار على إذكاء جمرة الإرهاب والانفصال من خلال رفض الاعتراف بالواقع في الميدان ومنطق التاريخ والحقوق الثابتة للمغرب في صحرائه، سيرهن تحقيق تطلعات شعوب المنطقة إلى اندماج يعقدون عليه كل آمالهم.