إمارة المؤمنين هي العنوان الشامل لمجموع من الأفعال والخصائص والخصال، التي تؤطر عملا ممتدا على مدى التاريخ، وهي القيمة التي تؤطر الفعل السياسي والاجتماعي بالمغرب، وذلك في إطار تناغم كبير وسلس بين التوجه الحداثي الديمقراطي والتمسك بالأصالة كدافع أساسي للاستمرار. تظهر في شهر رمضان معالم ومعاني إمارة المؤمنين، لكن من الخطأ حصرها في ذلك، فما نشاهده في رمضان هو مجرد تجليات لظهور إمارة المؤمنين، التي تغطي يوميا وفي كل ساعة وحين الفعل السياسي والاجتماعي. فالمغرب اختار نظاما سياسيا خاصا به، نظاما يجمع بين فعالية إمارة المؤمنين كعنصر جامع لاختلاف المغاربة ومحتضن لتعددهم الثقافي والإثني، عنصر جامع لكل مكونات هذا المجتمع الإفريقية والعربية والامازيغية واليهودية والإسلامية وغيرها، حيث تشكلت الهوية عبر مسار معقد من التفاعل بين الثقافات والحضارات، وهذا التعدد والغنى لا يجد له من عنصر جامع سوى إمارة المؤمنين، التي هي عنصر موحد ومتعال عن الاختلافات ولا تدخل طرفا فيها مهما كانت الأوضاع. ومن أسباب الاستقرار في المغرب وتخطيه لعقبات ومحن الزمن السياسي هو وجود هذا العنوان الكبير الذي استطاع توحيد المختلف وتمكن من البقاء بعيدا عن نزعات الساسة والسياسيين، وبعيدا عن تقلبات التاريخ وعن الصراعات السياسية والاجتماعية التي تعتمل داخل المجتمع. وليست إمارة المؤمنين بمستوى المؤسسة بل هي أكثر من المؤسسة وأكبر من التأسيس، حيث إنها نتاج تفاعل تاريخي بين المدارس والمذاهب وعجن طحين الدين والسياسة، فبقيت إمارة المؤمنين خميرة الأرض التي بدونها لا تنتج ولا تخصب، ولولاها لذهبت الاختلافات بالبلد ولعصفت بمؤسسات الدولة. وبهذا المعنى تكون إمارة المؤمنين عبارة عن قيم مؤطرة للمشهد السياسي وليست حاكمة عليه ولا متدخلة فيه ولا خلط فيها بين الدين والسياسة بمفهوم تدخل الدين في السياسة وتدخل السياسة في الدين، ولكنها حاضرة باعتبارها قيما وباعتبارها فاعلا متعاليا على السياسة مندمج بها من غير استغلال للدين لتحقيق الأغراض السياسية. فمن أسباب استقرار المغرب وصموده وسط الإعصار هو وجود هذا المفهوم، سواء كان معلنا أو غير معلن، حيث إن الديمقراطيات لما تشيخ يدخلها العجز وتفقد أحيانا سيطرتها على المشهد السياسي بل يتوقف نهائيا وتكاد الحياة تقف عند خصومات السياسيين، وهنا تتدخل المؤسسات المتعالية على المشهد لإنقاذ الموقف وإعادة القطار إلى السكة. وتتدخل إمارة المؤمنين بشكل مباشر عندما يتم استغلال الدين في السياسة أو استغلال السياسة في الدين، وتضع حدا لهذا الخلط، وذلك عبر استعمال أدوات التأويل التي هي من خصائص الإمام أمير المؤمنين، لأن الاستغلال لا يخدم أي منهما، وفي هذا الفصل تقديس للدين وتنقية للسياسة، وهو فصل لا يتم إلا عن طريق مؤسسة تاريخية تحمل عنوانا مرجعيا هو إمارة المؤمنين. وتكثر تجليات إمارة المؤمنين في رمضان من خلال الدروس الحسنية ومن خلال البرامج الاجتماعية والدينية التي يقوم أمير المؤمنين بتنفيذها.