ارتبط حلول شهر رمضان في المغرب بتنظيم الدروس الحسنية التي يرأسها الملك محمد السادس في حضرة زمرة من العلماء المغاربة والأجانب، حيث أصبحت إقامة هذه الدروس بمثابة عنوان كبير لشهر رمضان في المملكة المغربية.
بيد أن القصر الملكي دأب على تنظيمها والمحافظة عليها كموروث عن سلاطين الدولة العلوية مع بعض التغيرات في التسمية والتصور، إلى درجة أنها أصبحت منبرا علميا يتفرد به المغرب عن سائر الدول العربية الإسلامية.
وأهم ما يمز هذه الدروس، أنها تقام بحضرة أمير المؤمنين ملك البلاد الذي يحضر شخصيا رفقة شقيقه وولي عهده وأفراد من العائلة الملكية للاستماع والاستفادة، مما تجود به قريحة علماء يلقون دروسا في مختلف المجالات.
وعادة ما تجرى هذه الدروس، التي تفتح بالقرآن الكريم ويكون الختم من قبل الملك، إما في القصر الملكي بالعاصمة الرباط أو في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، ويستدعى لها جميع الشخصيات البارزة في البلاد من رئيس الحكومة والوزراء والمسؤولين في أسلاك الدرك الملكي والأمن الوطني ومختلف المؤسسات الدستورية في البلاد.
وتوجه الدعوة أيضا إلى السفراء المعتمدين للبلدان العربية والإسلامية وعلماء المجلس العلمي الأعلى ورؤساء المجالس العلمية المحلية، هذا إلى جانب ضيوف يتم استدعاؤهم من عدد من البلدان ومسؤولي المراكز العالمية الإسلامية الذين يعتبرون الدروس الحسنية مناسبة للتعرف على واقع الحقل الديني المغربي، بل هناك من الضيوف من يدخل في دردشات خفيفة مع أمير المؤمنين.
وهناك برمجة من قبل الجهات المكلفة بالتنظيم على أنه بعد انتهاء كل درس يتقدم للسلام على العاهل المغربي عدد من الضيوف الذين منهم من يبادر بتقديم كتب أو مؤلفات كهدايا له وعربون على التقدير.
واللافت للانتباه أن الدروس الحسنية، ومنذ تولي محمد السادس العرش في المملكة المغربية، ذاع صيتها بعد أن بدأت تستقطب ليس علماء المغرب فحسب، بل أيضا علماء من مختلف الأقطار العربية الإسلامية وكذا علماء أجانب ممن اعتنقوا الإسلام وأصبحوا يتحدثون اللغة العربية ويضبطون أصول الشريعة الإسلامية.
ولم تعد هذه الدروس ترتكز فقط على الجوانب الشرعية الصرفة، بل تتعداها للتطرق إلى مواضيع ذات ارتباط بحقوق الإنسان أو بمجال الطب أو المالية أو محاربة الرشوة وغيرها من القضايا التي تشغل البال.
وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني، قد حافظ على سنة أجداده وحول الدروس الحسنية إلى ندوة ذات طابع عالمي باستدعاء علماء من مختلف أنحاء العالم قصد التذاكر في مواضيع ذات ارتباط بالشريعة وبواقع الأمة الإسلامية، فإن الملك محمد السادس فسح المجال في هذه الدروس للمرأة العالمة، الأمر الذي شكل منعطفا حقيقيا في مسار هذه الدروس التي فتحت في وجه النساء العالمات، إذ شاركت لأول مرة في هذه الدروس الاستاذة الجامعية المغربية رجاء ناجي المكاوي وذلك سنة 2003.
ومنذ ذلك العام، تقرر أن تشارك في كل شهر رمضان عالمة من العالمات، فاتسعت اللائحة لتشمل زينب العدوي، التي كانت ترأس المجلس الجهوي للحسابات والتي تدخلت في موضوع الحكامة المالية وايضا الدكتورة أمينة العراقي، الطبيبة المختصة في أمراض الجلد، التي قدمت في حضرة أمير المؤمنين موضوع يتعلق بالصحة البدنية، وغيرها من الأسماء النسائية.
وتمثل الدروس الحسنية الرمضانية الآن، فرصة للتواصل بين إمارة المؤمنين وعلماء الأمة من أجل مدارسة مختلف القضايا التي تشغل بال العلماء والمفكرين.
يشار إلى أن وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية، هو من يتولى مهمة تنظيم هذه الدروس، يحدد لائحة المتدخلين ويطلع على المواضيع التي ستلقى، كما أنه يحدد لائحة الضيوف المدعوين، علما أنه جرت العادة أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية هو من يقدم الدرس الافتتاحي ويكون عبارة عن وقفة عند دور مؤسسة إمارة المؤمنين وتبيان النموذج الديني المغربي المعتمد على المذهب المالكي وعلى العقيدة الأشعرية وعلى الصوفية السنية.
د أ ب