على غرار أحداث الخرافات، تسير في غالب الظن إلى فعل الخير قبل أن تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه بالنسبة لشخوصها.. ذلك ما يمكن أن نصف به "حركة المسيحيين لمناهضة التعذيب" التي صدّقت أنها حققت نصرا في مبادرتها الدنيئة قبل أسابيع، حين طالبت السلطات الفرنسية باستغلال وجود مفترض لمسؤول أمني مغربي رفيع المستوى على تراب بلاد الأنوار، وألحت على الاستماع إليه في قضية شكاوى مرفوعة ضده، وتتعلق بالتعذيب. وذلك ما يمكن أن ننعت به كذلك مبادرة السلطات الفرنسية التي سارعت إلى توجيه دعوى في الموضوع إلى السفارة المغربية بباريس، بل تعدت ذلك إلى بعث فرقة من سبعة رجال أمن لإبلاغ المسؤول المغربي وربما لإلقاء القبض عليه بقرار من قاضي تحقيق ،ظنا منها، أنه يرافق وزير الداخلية المغربي في زيارة رسمية، قبل أن تفطن إلى أن المسؤول الأمني المغربي غير موجود على ترابها وأنها سارت ضد الأعراف الديبلوماسية والمواثيق وأن أمر التعامل اختلط عليها واتضح أنها ليست بصدد مسؤولين صينيين أو جزائريين، لأن الفرق واضح، خصوصا في ما تعلق بحقوق الإنسان حيث المغرب قطع أشواطا هامة فيها ويسير في الطريق الصحيح، وأن المبادرة الفرنسية في غير محلها والظرف غير مناسب لمحاولة تشويه سمعة ليس له من وجود إلا في الأساطير.. فالجهود التي يبذلها المغرب في اتجاه بناء دولة الحق والقانون تم تدشينها في تسعينيات القرن الماضي، وقد تم الرفع من وتيرتها والإسراع في تحقيقها عبر مراحل. ففي 1999 ومع تربع الملك محمد السادس على العرش، سارع جلالته إلى العديد من الإصلاحات من قبيل مدونة الأسرة التي حسّنت قانون المرأة، وهيئة الإنصاف والمصالحة التي صلحت ذات بين المجتمع المغربي، واللائحة طويلة من الإصلاحات التي تم تتويجها قبل ثلاث سنوات، عبر استفتاء شعبي في فاتح يوليوز 2011، بتعديل دستور للمملكة يصب في صالح المواطنين ويستجيب لمطالبهم، وهو دستور لم يمكن المغرب من تجاوز الربيع العربي فقط وإنما من بعث الأمان و الاستقرار، إن على مستوى المؤسسات فعلى مستوى الحقوق، وكان بحق خطوة إضافية في اتجاه عصرنة السياسة. انطلاقا من هذا الدستور أصبح المغرب، أحب من أحب وكره من كره، ملكية دستورية ديمقراطية وبرلمانية.. فهي دستورية لأن المعايير العليا في التمثيلية بالمؤسسات تعود للشعب، وهي رهن الجميع من دون تمييز، من قمة الدولة إلى قاعدتها.. وهي ديمقراطية انطلاقا من السيادة التي مارستها الأمة بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء وبشكل غير مباشر عن طريق ممثليها في البرلمان. وهي ثالثا برلمانية لكون الحكومة مستخلصة من البرلمان وهي المسؤولة أمامه وهو الشيء الذي لا تقوم له قائمة في فرنسا نفسها. أما فيما يخص اختصاصات الملك، فيمكن القول إن جلالة الملك محمد السادس يوجد في وضعية أقل من وضعية "ملك الجمهورية الفرنسية" أي الرئيس، كما حلا للزميلة "لونوفيل أوبسيرفاتور" أن تقول مؤكدة على أنه على عكس فرانسوا هولاند ومن سبقه من رؤساء فرنسا، فإن ملك المغرب لا يعين المسؤولين المدنيين إلا لماما، والأكثر من ذلك أنه لا يعين رئيس الحكومة، إذ استنادا إلى الفصل السابع والأربعين من الدستور فهو مرغم على تعيين شخص من الحزب الذي يحتل مرتبة متقدمة في الانتخابات التشريعية، وذلك في الوقت الذي يعمد الرئيس الفرنسي إلى تعيين من يريد إلى منصب الوزير الأول. فالملك والحالة هاته تجعله في تعايش دائم من حيث الديمقراطية والحقوق، لذلك نفهم لماذا نشرت "نيويورك تايمز" في 11 يوليوز 2011 مقالا بعنوان "عاش الملك الديمقراطي". فوق هذا وذاك، يبقى المغرب في الديمقراطية و حقوق الإنسان نموذحا يحتذى، وجب تشجيعه لا الخوض في نقده بشكل لا يمت للواقع بصلة. ويكفي أن نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، ما لعبه دستور 2011 مؤخرا من دور إيجابي بتحويل المجلس الدستوري إلى محكمة حقيقية للرفع من استقلالية ومرونة طابعه القضائي أو أن نذكر بمأسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط، وكلها جزء من ورش إصلاحي كبير على جميع الأصعدة، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، الشيء الذي جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يثني على جلالة الملك محمد السادس أثناء زيارته لواشنطن بخصوص جهود المملكة المبذولة بصدد الحقوق عامة وحقوق الإنسان بصفة خاصة هكذا أمكن القول إن المغرب انخرط في طريق تؤدي إلى كل المقاربات الغربية بل إنه فاقها في الكثير من الأحيان وهو ما يدفع إلى تشجيعه لا إلى عرقلته أو إعطائه دروسا ليس في حاجة إليها، خصوصا إذا كانت من "مدرسين" خائبين يعمدون إلى ترك كسالى الفصل الدراسي يعكرون صفو انتباه المجتهدين..
النهار المغربية