يقول المثل لا دخان من دون نار، و الدخان الذي غـّيَـم على العلاقات الفرنسية المغربية منذ فبراير الأخير لابد أن يكون أوقد ناره فاعل مُحنك، يخبر جيدا بحيثيات العلاقات الثنائية بين البلدين ويعرف مليا موطن حساسياتها كما يعرف من أين يمكن أن تتأثر.. الذين لا يعرفون لعبة الكواليس يقفون عند حدود الظاهر من الأمور، أما بواطنها فيتبع خيوطَها أولئك الذين يجيدون التحليل و يعرفون فك ما تشابك من هذه الخيوط. بعبارة أخرى المتتبع لنزلة البرد التي أصابت العلاقات الفرنسية المغربية في الشهور الأخيرة لا يمكنه أن يحد مسبباتها في أولئك المحتالين الذين قدموا شكوى ضد المسؤول الأمني المغربي بتهمة التعذيب، ولا في الحيلة التي انطلت على القاضية التي عجـلت بتحريك دعوى ضد هذا المسؤول وببعث أمر باعتقاله عبر السفارة المغربية بباريس بل ببعث فرقة أمنية إلى مقر السفارة ذاتها بهدف تنفيذ أمر الاعتقال في سابقة هي الأولى من نوعها ضد الأعراف الدولية والمواثيق الأممية. المتتبع لا يمكنه أن يقف عند تعليق الرباط للتعاون القائم مع باريس في المجال القضائي لمجرد أن القضاء الفرنسي ألح على متابعة فرنسيين من أصل مغربي بباريس لكونهم يحملون الجنسية المزدوجة، في حين اعتبرت الرباط متابعة هؤلاء الدجالين على التراب الفرنسي عودة إلى عهد الحماية ومسا بسيادة المغرب التي هي سيادة على كل مواطنيه ولو حملوا أكثر من جنسية أو كانت هذه الجنسية ملائكية حتى.. لن ندخل في واقع القضاء الفرنسي ولا في نزاهته وكيف يراها المواطنون الفرنسيون وتراها المنظمات الدولية المختصة التي وضعت هذا القضاء في المنزلة الأنسب له من حيث الفساد، و لن نغوص في شخص القاضية التي حركت قضية اعتقال الموظف الأمني السامي وهي التي اشتهرت بـ"حنكتها " و "نزاهتها" واكتسبت الشهرة و هي تحول مجرى قضية التهرب المالي المرفوعة في حق ليليان شولر، بيتينكور زوجة الوزير الأسبق أندري بيتينكور، ربّـة "لوريال" ذائعة الصيت العالمي ،وأغنى امرأة في فرنسا وصاحبة تاسع أقوى دخل مالي في العالم ،أوهي تحول مجرى قضية ثانية لا تقل أهمية سياسية و تتعلق بتمويل الوزير إدوارد بلادور في 1994 على حساب صفقة الغواصات الفرنسية التي بيعت إلى باكستان، وهي القضية التي أصبحت تعرف بقضية كراتشي، لكن الذي قد يلزم الدخول في هذا وذاك هو معرفة كيف أمكن لأولئك المحتالين من أمثال زكرياء المومني أن يؤثروا في هذه القاضية إلى حد الاقتناع الأعمى لولا أن هناك رائحة المال و لولا أن هناك رائحة سخاء من يدفع.. المقربون من القضية يعرفون أنها بدعة ابتدعها المدعون بتخطيط رجل سخي ليس غير الأمير مولاي هشام، يربطون تحريك الدعوى القضائية التي عكرت صفو العلاقات بين الرباط وباريس بأمرين هامين، أولهما صعود الأسهم السياسية و الدبلوماسية للمغرب على حساب فرنسا في إفريقيا جراء "الاجتياح" الاقتصادي والأمني و الاجتماعي و السياسي في دول جنوب الصحراء و في قضية الصحراء مقابل أفول نجم فرنسا في المنطقة قبل أفولها في منطقة الأورو، وثانيهما تزامن القضية وإصدار الأمير مولاي هشام العلوي لكتابه "الأمير المنبوذ" بحمولته المبنية على الغدق و السخاء لفائدة محرريه أكثر من بنائها على الحقيقة في المعطيات ،مما جعل الخيبة في البيع و الأصداء المرجوة هي النصيب. و الذين يعرفون الأمير الذي فضل أن ينبذ نفسه بنفسه في الولايات المتحدة الأمريكية و بلدان أخرى قبل أن ينبذها في كتاب ساقط وأصبح محركا لمعارضة سخيفة للنظام و للأسرة الملكية، يعرفون جيدا جُنْدَه من الإعلاميين المأجورين المغاربة والأجانب، كما يعرفون المتخندقين معه في هذا الخندق ممن يمتشقون شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان في العديد من المنظمات والعديد من البلدان المعدودة على رؤوس الأصابع. الخلاصة ،وكما ذهبت إليه الزميلة لونوفيل أوبسيرفاتور" أن من يعرف أن جملة البدع التي ابتدعها الأمير وتبناها كذبا و بهتانا من يقبضون من سخائه الوفير أمثال "الحركة المسيحية لمناهضة التعذيب" الموالية للجزائر ومعها النشطاء والحقوقيون في بعض المنظمات الفرنسية غير الحكومية الموالية، كذلك، لبلاد المليون شهيد، أو أمثال اللوبي الإعلامي المحسوب على "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوسط " ، يعرف كيف ولماذا تجند بقية الجند الإعلامي المغربي العاق إلى جانب الأمير المنبوذ الذي سخر الأموال الطائلة لتبني هذه المعارضة المجانية المجانبة للصواب حيث جذب إليه أحمد رضا بنشمسي وأبو بكر الجامعي و المجدوبي وانوزلا، ويعرف كذلك "شطحات" هؤلاء و يدرك بسهولة دائرة التآمر مقابل الارتزاق وهي التي اتسعت ليلتحق بها بالضرورة زكرياء المومني و القاضية التي حركت قضية التعذيب ضد المسؤول الأمني المغربي و فريدة أعرس والآخرون الذين انجذب إليهم القبطان مصطفى أديب الذي اختار منفاه في فرنسا و جعلها قاعدة لإطلاق سهام المعارضة المجانية ضد المؤسسة العسكرية و محمد تسيلة ،النقابي السابق والسلفي صاحب المهمة المبهمة في النظام السوري ومنشط "حركة الجمهوريين المغاربة". هكذا يتضح أن نزلة البرد بين المغرب و فرنسا لا يمكن أن تكون وراءها قضية رياضي فاشل اسمه زكرياء المومني و إنما هي من فعل فاعل اختار لنفسه أن يكون أميرا منبوذا ولاسمه مولاي هشام العلوي أما الباقون الذين ينفذون لعبته فهم بيادق يتقاضون أجورا..
النهار المغربية.