الربيع العربي" الذي أحدث ثورة على الحكام العرب في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما بين 2010 و2012، تخطيط أمريكي محض، نفذته مؤسسات المجتمع المدني في البلدان المعنية عن طواعية ومن دون أدنى ذرة علم لها به، وتم التنفيذ بجهاز للتحكم عن بعد ظل في قبضة أيادٍ متخصصة، ضغطت على زناده انطلاقا من البيت الأبيض، ولم تتوقف إلا بعد تأكدها من تحقيق الهدف وبعدما أوجست خيفة من إغراق المنطقة في حمام دم يفوق تصورات التخطيط .. ذلك آخر ما كشفت عنه وثيقة سرية للغاية، تؤكد أن "الربيع العربي" كان من كيد الولايات المتحدة الأمريكية وتخطيطها وتمويلها وتنفيذها أيضا، لكن بأيادي أبناء البلدان المعنية التي تأثرت سريعا بموجة الغضب الشعبي الذي أدى إلى التغيير بعدما أتى، في معظمها، على رؤوس حكامها في شكل انقلابات بطرق تختلف عن طرق الانقلابات التقليدية التي كانت غالبا ما تنفذها المؤسسات العسكرية وبدرجة ثانية الأحزاب السياسية والنقابات العمالية. وأكدت منظمة "ميدل إيست بريـفيـن" أو "الشرق الأوسط بإيجاز" استنادا إلى تقرير رسمي صادر عن الإدارة الأمريكية تورُّطَ البيت الأبيض في "الثورات" التي زعزعت الأنظمة في عدد من الدول بشمال إفريقيا والشرق الأوسط كما ساهمت في تغيير حكامها وزعزعت استقرارها، وفي مقدمتها تونس ومصر وليبيا ثم اليمن بالإضافة إلى البحرين وسوريا، البلدين اللذين استعصى فيهما تغيير حكامهما، بالإضافة إلى السعودية. وشددت الوثيقة على أن الأمريكيين راهنوا في مصر على الإخوان المسلمين نظرا لقابلية تجاوب مصالحهم مع الأهداف الاستراتيجية للبيت الأبيض في المنطقة. تاريخ الوثيقة الرسمية التي ظلت تحمل طابع السرية إلى أن تم التوصل إليها عن طريق قانون الحق والحرية في المعلومة، يعود إلى الثاني والعشرين من أكتوبر 2010 وتحمل عنوان "مبادرة الشراكة بالشرق الأوسط: نظرة عامة". وتذهب هذه الوثيقة إلى أن بعض المسؤولين في بلاد العم سام عملوا على طبخ العديد من الاستراتيجيات والخطط لحل الأنظمة الحاكمة في البلدان التي كانت مستهدفة وفق توجهات مبرمجة بشكل مسبق، وذلك بالاعتماد على المجتمع المدني الذي تم وضعه تحت المراقبة وبعد سبر أغوار العديد من المنظمات غير الحكومية بهدف التعاون معها للتحكم في المجتمع المدني قاطبة. وحسب منظمة "ميدل إيست بريـفيـن" فإن المقاربة الأمريكية كانت تقتضي التحكم في هذه المنظمات غير الحكومية عن طريق العديد من الآليات لتسير معها على خط السياسة الأجنبية للخطة الأمريكية ووفق الأهداف المتعلقة بالأمن الداخلي للبلدان المعنية بالثورات. الوثيقة المذكورة التي كانت تحمل في طياتها حمولة الانقلابات ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر برنامجا جهويا متكاملا يهدف إلى تقوية المواطنين في البلدان التي استهدفتها الولايات المتحدة الأمريكية بـ"الربيع العربي" بهدف تنمية وتطوير المجتمعات المتعددة التي تبعث على التشاركية والتنافسية والنجاح في تنفيذ مهمة التغيير. وكما تبين الأرقام والإحصائيات فإن "مبادرة الشراكة بالشرق الأوسط: نظرة عامة" التي تم إطلاقها قبل اثنتي عشرة سنة من الآن أي في بداية 2002، استطاعت أن تتطور لتصبح آلية مرنة في المنطقة للدعم المباشر لفائدة المجتمع المدني والدعم الذي يمكن إدماجه في دبلوماسية الحكومة الأمريكية في منطقة مينا أي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعملت خطة هذه الوثيقة/البرنامج الأمريكي على تكوين شبكات من المصلحين الذين تبادلوا المعارف في ما بينهم كما عملوا على إشاعة التعاون والتحفيز على التغيير في المنطقة فيما كانت السفارات الأمريكية بالمنطقة هي التي تعمل على تمويل هذه الخطة. وتؤكد وثيقة / برنامج "مبادرة الشراكة بالشرق الأوسط : نظرة عامة" على تعيين أعوان بالسفارات الأمريكية للتسيير والتدبير المالي لهذا البرنامج وكانوا على اتصال مباشر مع مختلف المنظمات غير الحكومية والجماعات المشكلة للمجتمع المدني، وذلك للاستفادة من المساعدات المالية الأمريكية. وشددت الوثيقة على أن البرنامج لم يعمل بتاتا على تسليم أموال مباشرة للحكومات كما لم يناقش معها اتفاقيات للتعاون الجانبي بهدف المساعدة. وكانت حسب الوثيقة برامج خاصة قد وضعت للاستحابة إلى الاحتياجات المتعلقة بالتنمية حسب ما حددته السفارات الأمريكية من احتياجات اعتمادا على ما اعتبرتهم "مصلحين جددا" بالإضافة إلى التقارير والتحاليل الميدانية. وكانت دساتير البلدان المستهدفة بالتغيير وأعمال حكوماتها من أهم أهداف برنامج "مبادرة الشراكة بالشرق الأوسط: نظرة عامة" في الوقت الذي ظل فيه فاعلون من المجتمع المدني هم المحاورين الأساسيين للخطة الأمريكية عبر المنظمات غير الحكومية التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة "مينا" مقرا لها ومناخا لأنشطتها المختلفة.
النهار المغربية.