تأبى الأحداث والوقائع على الأرض إلاّ أن تؤكد ما هو مؤكد منذ البداية، ذلك أن تغلغل "تنظيم القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي" كشف إن لم نقل فضح نفسه بنفسه من خلال إعلان وتقديم قادة الجماعات المحلية في المنطقة ولاءهم لتنظيم "القاعدة" الأمّ، وتبعيتهم المطلقة لسياستها وتنزيل مقاصد عقيدتها "الجهادية" التي ترمي إلى محاربة دول المنطقة من خلال نشر الفوضى وعدم الاستقرار. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن عين "القاعدة" ركزت نظرها على مختلف الجماعات سواء كانت ذات طبيعة إرهابية أو انفصالية أو تلك التي تنشط في مجال التهريب والمخدرات والاتجار في البشر واختطاف المواطنين الغربيين على الخصوص، لاستمالتها أو استمالة أعضائها النشطين إلى صفوفها حتى تتمكن من تنفيذ مخططاتها الجهنمية، مستغلة في ذلك جميع الوسائل ، بما فيها الدين لضمان المزيد من التغلغل في عمق مجتمعات البلدان المعنية في المنطقة. وهو ما تأتّى لها بشكل لم تتوقعه. من هنا، لم يكن غريبا البتّة أن تجد "القاعدة" موطئ قدم لها داخل "جبهة البوليساريو" التي يستخدمها النظام الجزائري لتنفيذ أجندته ذات الأهداف الانفصالية في المنطقة، وتحديدا في المغرب. وسرعان ما استغلت "القاعدة" هذه الوضعية الشاذة لتركب عليها، وتقدم كل الإغراءات اللازمة التي تسيل اللّعاب لتسهيل، أوّلا، عملية اختراقها لمثل هذه التنظيمات ذات الطبيعة الانفصالية؛ وثانيا للبحث عن أعضاء نشطين في صفوفها؛ وثالثا لتجنيد "الجهاديين" الذين يضعون أرواحهم رهن إشارة قيادة "القاعدة". وقد تمكنت "القاعدة" من ذلك بشكل ربما لم تكن تتوقعه هي نفسها، خاصة وهي ترى بعينها مدى السهولة التي سمحت لها باختراق صفوف "البوليساريو"، وسهولة تجنيد العناصر المرغوب فيها. لقد تنبّه المغرب، مبكّرا، لظاهرة اكتساح "القاعدة" لمختلف الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء ـ وفي مقدمتها "البوليساريو" ـ، و نبّه الرأي العام العالمي إلى خطورة ما يجري في هذه المنطقة، كما وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته منذ اليوم الأول لشروع "القاعدة" في تنفيذ مخططها الرهيب بالتسرّب إلى المنطقة، في وقت كان فيه النظام الجزائري يعرض خدماته على بعض القوى الكبرى لتزكية دوره كـ"دركي المنطقة"، ويقدّم نفسه باعتباره القوة الوحيدة القادرة على مواجهة خطر الإرهاب، بينما هو يغذّيه ويضمن له التوسع والانتشار، كالسرطان، من خلال الإيواء والدعم والاحتضان في مخيمات البؤس والفقر التي ستجد فيها "القاعدة" كل الظروف المواتية للاستغلال الأمثل. وهنا نستحضر دعوة المغرب للمجتمع الدولي للمطالبة بضرورة فتح هذه المخيمات أمام المراقبين والملاحظين للاطلاع المباشر على حقيقة ماذا يجري هناك، وضرورة القيام بفرز ومسح دقيق بداخلها لمعرفة هوية "المقيمين" و"المستوطنين" و"اللاجئين " و"العابرين" وغيرهم من الأشخاص الذين تفرّقت بهم السبل داخل الفضاء الصحراوي الساحلي الشاسع ليجدوا أنفسهم لقمة سائغة بين يدي كل من يبحث عن تعزيز موقفه وأجندته بـ"أدوات جديدة". الآن يتضّح أن "القاعدة" ليست وحدها التي تستغل وضعهم البئيس لخدمة أهدافها، بل يستعملهم النظام الجزائري لبث الفوضى وزعزعة استقرار دول الجوار، وكذلك كأصوات انتخابية داخل الجزائر وخارجها لضمان الفوز بالولايات الرئاسية حتى ولو كان ذلك ضد منطق الأشياء. هكذا تلتقي مطامع "القاعدة" مع انتهازية النظام الجزائري في الاستغلال البشع لورقة ضائعة اسمها "البوليساريو" لنشر الإرهاب في المنطقة.
النهار المغربية.