حتى ولو كانت كلمة "دماء"ـ التي أراد أن ينظف بها أحد العدليين الشوارع ـ بين قوسين، فإنها لا تحمل إلا معنى واحد، هو السير في طريق مستقيم نحو العنف...
قد يكون في هذا الطريق المتنفس الوحيد لجماعة العدل والإحسان، التي طالما ردد منظروها، أمام الملء أنهم ضد العنف، لكنهم حين يختلون إلى أنفسهم يشحذون الخناجر والأنصال والسيوف والمتفجرات من أجل أن تتحقق قومة "كبيرهم"، الذي رأى فيما يرى النائم أنه قاب قوسين أو أدنى من "الخلافة" وكذلك سولت له نفسه.
طبعا، من حق الرجل أن يحلم، بالشكل الذي يريد، وعلى الجنب الذي يريد، لكن ليس من حقه أن يفرض علينا أحلامه، وأن ينغّس مريدوه الذين سيأكل الطير من رؤوسهم لامحالة، على المغاربة هذه اللحظة التاريخية.
من حقه أن يشيد دولة "الخلافة " في خياله، ولو أن دولة الخلافة نفسها لم تصمد إلا بضع سنين أمام منطق التاريخ، ودهاء السياسة.
ولعل الخطير في الأمر هو أن يتحول الحلم والخرافة إلى تهديد ووعيد، وأن يُزبد ويُرغد عضو في شبيبة العدل والإحسان، ويكشف في لحظة "سهو" عما يجيش في خاطره، وما يُشكل صلب قناعاته : "تنظيف الشوارع بالدم"... وكأنّ رفع اللافتات منذ 20 فبراير لم يعد يشفي غليله، فأصبح يطوق إلى تأثيث الشوارع بالجثث، لأن رؤى الشيخ لم تعد تسعف، وتنبؤاته ضلت الطريق فلم يعد أنصاره يطيقون صبرا، لذلك أعلنوا وقرروا وقدروا أن ما لم يتحقق بالحلم ينبغي أن يتحقق بالدم... هذا هو المنهاج الحقيقي للجماعة، وهو منهاج لا يستقيم قطعا مع المنهاج النبوي، ودولة الخلافة، وحب المغاربة لآل البيت.
يبدو أن خلف الهدوء المصطنع، والابتسامة الخافتة للشيخ ياسين، والبيانات المكررة عن نبذ العنف، والجنوح للسلم، يسكن عنف لا يرويه إلا الدم، الذي تريد العدل والإحسان أن تلضخ به نضارة شباب 20 فبراير، الذين خرجوا من قمقم التكنولوجيا الحديثة ليجدوا أنفسهم ـ مع مرور الوقت ـ محاصرين بالسلفية الجهادية، في كل تجلياتها، والتي تريد أن تعود بهم أدراجا إلى الجاهلية الأولى، وأن تستعملهم دروعا في غزواتها كل يوم أحد. فمنهم من سلت ومنهم من ينتظر.