نشر موقع "لوبوان. إف إر" بتاريخ 7 يونيو الجاري، مقالا للكاتب المغربي الطاهر بنجلون تحت عنوان "المغرب كما أشرحه لهولاند"، أوضح فيه أن السياسيين الفرنسيين يحبون من يسيء إليهم، وبالتالي لم يجرؤوا يوما على تشبيه الجزائر بالعشيقة أو بعث استدعاء إلى مقر إقامة السفير الجزائري بباريس.
وأوضح كاتب المقال أن التوتر في العلاقات الفرنسية ـ المغربية ما زال مستمرا والأخطاء تتراكم والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في «دار غفلون»، واستطلاعات الرأي تحبطه بشكل كبير، وهو ما يمس بالضرورة يقظته ويخدش الصداقة التي يُفترض فيه العمل على تطويرها أو حتى ترميمها إذا أساء إليها موظفون بلا أفق وبلا رؤية سياسية.
وفي ما يلي نص المقال
السياسيون الفرنسيون يحبون من يسيء إليهم و«ما يسوّقش ليهم». ألا ترون كم يخشون الجزائر وكيف يتم ذلك؟ تصوروا أنه لا يمكن أن يتجرأ مسؤول سياسي فرنسي على مقارنة الجزائر بـ«العشيقة التي لا نحبها، ولكننا نضطر إلى مضاجعتها»، كما لا يمكن تصور قاض يبعث استدعاء إلى إقامة السفير الجزائري حتى يمثل أمامه موظف سام في هذه الدولة.
يُعد المغرب «صديق فرنسا»، وسواء تحت حكم فرانسوا ميتران، أو في عهد جاك شيراك، فقد ظل التعامل مع المملكة يتم في إطار من الاحترام والتقدير، وليس مرد ذلك إلى مجرد حسن معاملة أو «صْواب»، بل لأن المغرب، ببساطة، زبون جيد والحماية لم تنته بحرب بشعة، كما وقع في الجزائر.
أصدقاؤنا الاشتراكيون حافظوا دائما على أحكام مسبقة حول الملكية في المغرب، ولم يخفوا أبدا تفضيلهم للنظام الجمهوري. لا يهم ذلك، إذا كان الأصل هو احترام إرادة الشعوب. فما المشكلة إذن؟ إنه فقدان الإحساس بالروح المغربية ونوع من اللامبالاة، وحتى الجهل بها. أليس دور الدبلوماسي هو أن يستبطن هذه الروح ويتجاوز القشور ويُعلم بكل ذلك رؤساءه؟
يبدو أن حادث استدعاء مسؤول مغربي، في فبراير الماضي، تجاوز حتى وزير الداخلية حينها، السيد فالس، ووزيرة العدل، السيدة توبيرا. وما وقع بعد ذلك لم يسوّ في الأمر شيئا.
التوتر ما زال مستمرا والأخطاء تتراكم والسيد هولاند في «دار غفلون». وأنا أتفهم وضعه، فهو «واحل غير مع راسو» وربما لا يعرف حتى ما يقع حوله. لا شك أنه علم بما وقع في البداية، لكن الأحداث تجاوزته. «الله يْحسن عْوان» من استطلاعات الرأي تحبطه بشكل كبير، وهو ما يمس بالضرورة يقظته ويخدش الصداقة التي يُفترض فيه العمل على تطويرها أو حتى «ترميمها» إذا أساء إليها موظفون بلا أفق وبلا رؤية سياسية.
لهذه الأسباب كلها، أريد أن أتوجه بالخطاب مباشرة إلى فرانسوا هولاند.
السيد الرئيس، أعلم أنكم في حالة لا تُحسدون عليها، بعد خسارة الانتخابات البلدية، وفوز الجبهة الوطنية الذي لا يخلو من صلافة، والبطالة التي تعاندكم ويأبى مؤشرها على الانحدار. طبعا، ليس الوقت مناسبا للعتاب وكيل الاتهامات، لكن ربما من الإمكان دفعكم إلى تغيير سلوككم للتحرك واتخاذ مبادرات تُخرجكم من هذا الطريق المسدود الذي يدفعكم إليه الجميع، بمن فيهم أصدقاؤكم.
المغرب ليس من تلك النوعية من البلدان التي تقبل «الحُگرة» والضرب تحت الحزام. المغاربة ينتبهون إلى الطريقة التي يتم التعامل بها معهم. لهذا دعوا الموظفين منهمكين في مراجعة الاتفاقيات القضائية، وخذوا طائرة وزورا الملك في زيارة مجاملة وعمل أيضا، ولا تدَعوا الأمور تنفلت من بين أيديكم، وتصير إلى حال ليس في صالح أي طرف. خذوا يومين عطلة، بعيدا عن مصائب هؤلاء وأولئك، وفي منأى عن التشويش والأخبار السيئة.
أعلم السيد الرئيس أنكم مشغولون كثيرا لأن أوربا لا يمكنها الانتظار، ولكن لا تنسوا أن المغرب معني، هو أيضا، بهذه القارة التي يحتكرها الآن متطرفون شعبويون يطفحون بالكراهية. المغرب يحتاج إلى من يدافع عن صادراته ويحترم هويته. نتحدث هنا عن الطماطم والبرتقال، عن الصيد والتنمية، وعن الاستثمارات والتقدم. لا شك أنكم لاحظتم كل هذا خلال زيارة الدولة التي قمتم بها إلى المملكة في السنة الماضية، فبيّنوا أنكم على قدر كبير من سعة الخيال، وقوموا بشيء تبهروننا به جميعا، فرنسيين ومغاربة، وتجرؤا على اتخاذ إشارة قوية ورمزية، واعكفوا على قراءة تاريخ المغرب، وتبنّوا رؤية بآفاق أكثر اتساعا وأكثر طموحا، وأنا على يقين تام أن هذا حري بأن يفتح لكم باب السعد.