"عادت حليمة إلى عادتها القديمة"، إذ لم تمر إلا أياما معدودات عن إعلان تفكيك خلية إرهابية حتى فتحت "المساء" صفحاتها لأسرة أمير الخلية، لتزرع بذور التشكيك، وتستجمع كل المبررات من أجل درء الشبهة عن الابن "الضال".
طبعا من حق العائلة البحث عن كل الوسائل من أجل تبرئة فلذة كبدها، والذي لم يكن غبيا من أجل أن يطلعها عن هذا المخطط، فالحذر والتقية سمتان يلتقي فيهما كل الذين ركبوا موجه الفكر الجهادي، لذلك فإن الأهل والجيران لا يصدقون في البداية ما حدث بسبب الأقنعة التي يجيد ارتداءها هؤلاء الشباب، الذين تعرضوا لعمليات غسل دماغ، لكن العائلات سرعان ما تفطن إلى الحقيقة حين تطلع على محاضر الاعتراف بالمنسوب إليهم.
وفي هذه الحالة، فإنه من واجب الصحافة الاحتراس من السقوط في الفخاخ بمبرر المهنية، والمواكبة، وتسليط الضوء، لأنها تستند إلى أقوال أشخاص لا علم لهم بالموضوع، ويتكلمون تحت تأثير العاطفة، وبالتالي فإن كلامهم لا يفيد البحث بقدر ما يشوش على التحقيق، ويدفع "السدج" من الناس إلى الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بقضية مفبركة، وهذا ما فعلته الزميلة "المساء" بالضبط، بالرغم من أنها في ذات العدد نوهت بتفكيك الخلية، والجهود الأمنية التي جنبت البلاد حماما من الدم، وهو موقف ينم عن ازدواجية في الخطاب يعكس توزع "المساء" بين ذاكرة التشكيك، التي أسسها رشيد نيني و الطموح إلى الابتعاد عن هذه الذاكرة التي جعلت زميلا يقبع في غياهب السجن، ولم تفد كل المرافعات التي دبجها مصطفى الرميد أو خالد السفياني في تمتيعه بالسراح المؤقت أو إقناع القضاء بتخفيف العقوبة عنه، لسبب بسيط هو أن المحاميان معا، يرافعان خارج السياق، ويفضلان انتهاز فرصة انعقاد الجلسات لكيل الاتهامات ل "المخزن" و "الحكومة" و"الأمن"، وهو ما جعل منهما عنوانا بارزا للفشل في ربح القضايا.
ولا غرابة أن يبدأ مصطفى الرميد، من الآن، كما أسر بذلك لمقربين منه، في الاستعداد إلى تنصيب نفسه للدفاع عن المتهمين الثلاثة في هذه القضية، ليس من أجل البحث عن براءتهما وإنما من أجل التشكيك في الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب.