جرت العادة لدى كل الدول، الشرعية طبعا، أن تكرم شهداءها أثناء الدفن بوضع العلم الوطني على جثامينهم المسجّاة في مراسم تتسم بعزف النشيد الوطني وقد يتعداه إلى نشيد عسكري وبرفع العلم الوطني مع إطلاق المدفعية و تقديم تحية عسكرية خاصة. وبعد نهاية المراسم يتم طي العلم الوطني الذي يوضع على الجثمان بعناية فائقة ويسلم لأهالي الفقيد تكريما وعرفانا بما أسداه للوطن. في البوليساريو وبشهادة شاهد من أهلها، يعمل قادة الجبهة في إصرار كبير على سيرهم على عكس عادات وتقاليد المنتظم الدولي، حين يؤكد صحافي أن الناس في المخيمات يدفنون الراية المزعومة للجبهة الوهمية كلما توفي واحد من أبنائها وكان في اعتبار الشهداء. وإذا كانت غالبية الدول تشدد في قوانينها على تجريم لمس أعلامها الوطنية التراب فإن القادة في البولبساريو، وفي الوقت الذي ينفلت منهم الإلمام بقدسية ثوابت الدولة الشرعية، ينفلت منهم أيضا التحكم في زمام الأمور تاركين الجبهة مفتوحة على عواهنها، كل يفعل ما يريد وما يشاء، بل كل يغني على ليلاه، خصوصا إذا كان السكان يعيشون على الجهل وانعدام الكياسة التي يؤكدها ارتفاع الأمية وانعدام فرص التعليم والتربية والتكوين فما بالك بالتربية على المواطنة. جبهة البوليساريو وبما أنها مجرد "مخيمات" غير شرعية الوجود في تندوف، لا اعتراف بها ولا إجماع دولي عليها، تؤكد أنها على خلاف مع العالم كله وليس مع المغرب وحده في قضية وحدته الترابية، بل تؤكد جهلها حتى لأبسط التقاليد والأعراف المتعارف عليها دوليا، فبالأحرى أن تكون على وئام مع باقي مكونات المنتظم الدولي. هكذا يقول الشاهد: انتقلت إلى رحمة الله - الجمعة 23 ماي 2014 الأم "سلم بنت الفقير"، والدة المعتقلة السياسية الصحراوية السابقة "فاطمتو دهوارة"، بعد صراع مع المرض، وقد ووري جثمانها بحضور حشد غفير من أفراد عائلتها و قبيلتها. إلى هنا كل شيء طبيعي وعادي، يقول الشاهد، إلا أنه عند وقوفه على إقدام الشباب الذين دفنوا الراحلة على تغليف الجثمان بعلم الجمهورية الوهمية ودفنه تحت التراب مع الجثمان، تولد لديه نوع من الأسئلة المحيرة ممزوجة بنوع من الامتعاض وذلك ببساطة لأنه رأى في الأمر تأويلا وإيحاءً خطيرا يعني دفن أطروحة الجمهورية الوهمية إلى غير رجعة. وبعد بحث له في مواقع الأنترنيت عن إجابة لمسألة جواز أو تحريم دفن الأعلام الوطنية مع الموتى، لم يجد الشاهد شعبا في العالم يقوم بهكذا تصرف سوى سكان مخيمات تندوف، ولذلك وصل إلى نتيجة أن هؤلاء هم الوحيدون في العالم الذين يدفنون عَلمهم تحت التراب. وبما أن رايتهم حديثة العهد مقارنة بشعبهم، اكتشف الشاهد أن الدول التي سبقت مرتزقة البوليساريو في الشرعية والوجود بمئات السنين، حددت مجموعة من الآداب التي يجب أن يلتزم بها المواطن تجاه العلم الوطني.
محمد عفري.