نشرت جمعية مغربية كندية عبر صفحتها في الفايسبوك وعبر موقعها الإلكتروني نداءا مصورا عن مدرسة ابتدائية في إقليم الراشيدية سرعان ما انتشر في جميع صفحات الفايسبوك بل و كتبت عنه بعض اليوميات الورقية مع تعليقات ساخرة.
يبدأ الفيديو بصورثابتة تظهر اسم المدرسة الابتدائية قبل أن يبث تصريحات لرجل يبدو أنه مدير مدرسة ابتدائية يتحدث عن مشاكل الربط بالكهرباء و الماء و بُعد الفرعيات، و ينتقل الفيديو مباشرة إلى إظهار أطفال صغار في " قسم" ما لا توجد فيه نوافذ ولا أرضية صالحة يتكدس فيه هؤلاء وهم جالسين على مقاعد بلاستيكية و صنادق خُضر يقومون بترديد ما تقوله لهم فتاة واقفة تلبس وزرة بيضاء.
وينتهي الفيديو بموسيقى حزينة ثم كتابة تحث المحسنين على التطوع لإصلاح المدرسة و القسم و ربطه بالكهرباء و غيره ثم تحدد المبلغ المطلوب في 25 ألف دولار.
وحتى و إن استغل البعض الفيديو للسخرية من النظام التعليمي المغربي أو حتى النظام السياسي برمته، فالحقيقة بعيدة كل البعد عن ما تقوله هذه الجمعية بل ماقامت به يدخل في إطار الكذب و التدليس وربما النصب .
عملية المونتاج بإظهار اسم المدرسة الابتدائية و تصريحات المسؤول التعليمي ثم مباشرة المرور إلى " القسم" المعلوم كأنه وسط هذه المدرسة يظهر خبثا كبيرا و يجعل كل ذي حصافة و عقل يشك في الهدف الحقيقي لهذه الجمعية التي يسيرها بعض الملتحين و التي يعج موقعها بتفاصيل كيفية التبرع نقدا أو عبر بطاقة ائتمان.
فهي و إن كانت نيتها حسنة و تريد استدرار العطف بذلك المونتاج السخيف تجد نفسها تسيء أكثر مما ستنفع، ففي صفحتها على الفايسبوك تكتب أن عملية التبرع تخص المدرسة الإبتدائية لكن الفيديو يظهر " قسما" لا علاقة به بتلك المدرسة.
كل من يعمل بقطاع التعليم سيعرف أن القسم المذكور خاص بالتعليم الأولي غير المهيكل الذي لا تشرف عليه الوزارة، بمعنى بسيط هو روض أطفال دون السن القانوني للتمدرس وهو ست سنوات وهو غير مرخص له بالتأكيد، من شاكلة ما تقوم بعض الجمعيات أو الفتيات بالدواوير بفتحه لتجزية الوقت وطلبا لبعض الدراهم من الأسر. ولا يوجد بداخل المدرسة ولا علاقة لها به.
التعليم الأولي أو حتى الكتاتيب القراَنية مهيكلة في البلد و منظمة منذ القدم، و لبدءها يلزم الحصول على تراخيص كثيرة تثبت مثلا وجود تهوية و وسائل تعليمية مناسبة و تخصها النيابات بمفتش خاص يسمى "متفقد تعليم أولي" يراقبها بين الفينة و الأخرى.
ومنذ البدء في المخطط الاستعجالي تم ربط المدارس الابتدائية بالتعليم الأولي و أصبحت تحت إشرافها بشرط تخصيص أقسام لها وسط المدرسة مع أن يشرف عليها مدرس رسمي وليس مجرد هاو غير أنها خطوة لا تزال في بداياتها نظرا لعدة إكراهات.
المهم، أن القسم المذكور ليس بتاتا قسما تعليميا رسميا عموميا، فلا يوجد أستاذ قد يقبل العمل في مثل هذه الظروف رغم وجود الأقسام المشتركة مع الرحل في بعض المناطق و في ظروف قاسية إلا أن مثل هذه الكارثة المصورة أصبح وجودها مستحيلا.
كما لايوجد مسؤول تربوي مدير أو مفتش مهما بلغ من الكسل و التهاون قد يقبل وجود مثل القسم الذي صُوّر، فالمقاعد التقليدية المعروفة كثيرة و تعج بها مستودعات النيابات التعليمية و كذلك السبورات السوداء بل تم تجاوزها و أصبح الجميع الاَن يستعمل سبورات مغناطيسية بيضاء ، بالإضافة إلى أن كل مؤسسة ابتدائية حالية لديها "جمعية دعم مدرسة النجاح "خاصة بها تتوصل بالمال اللازم مباشرة من الوزارة كل سنة دون المرور عبر المساطر القديمة و يجب عليها أن تنفقه في شراء اللوازم الخاصة و تهييء الأقسام و خصوصا أقسام السنة الأولى.
خلاصة القول، التعليم المغربي مليء بالنواقص وفي أزمة ذات مظاهر مختلفة ولكن مهلا، الانتقاد يفقد مصداقيته حين نستعمل مغالطات و معطيات كاذبة في نقدنا ذاك. ومثل هذه الجمعيات التي يبدو أن لها باع طويل في جمع التبرعات و الإحسان العمومي و تستغل القرووين و ماَسي أطفالهم بهذه الطريقة الكاذبة لجمع مبلغ يفوق 25 مليون سنتيم، هي من يجب التنديد بها و بالنصب الذي تقوم به – على الأقل في مونتاج الفيديو - بالإضافة إلى مأسسة التسول بدل العمل على أن تلتزم الدولة بتقديم خدمات عمومية في المستوى المطلوب ،مثل هذا السلوك هو الذي يوجب التنديد قبل أن نبدأ في توزيع التعاليق الساخرة هنا و هناك.
عبد الرحيم بن أحمد- كَود