عبد السلام أقصو
الحكرة مصطلح بالعامية المغربية يقصد بها المعنى الإجمالي و التفصيلي لكلمة الاحتقار العربية، هذه الكلمة التي لطالما نسمعها في كل وقت و حين تشتمل على تعابير نفسية و أحاسيس داخلية ، وبالتالي تعبيرا عن إحساس رهيب كان سببا في انتحار البعض و إحراق النفس الذي أصبح و للأسف نوعا و أسلوبا من أساليب الاحتجاج في القرن الواحد والعشرين.
إن مبدأ " الحكرة " لها دوافع أساسية تبدأ أساسا من البيت وصولا إلى الشارع ، فالشعور " بالحكرة " في البيت من خلال مبدأ التفاضل أي بتفضيل الوالدين لأحد الأبناء على الآخر ، ولعل أهم قصص القرآن تعبيرا عن خطورة هذه الظاهرة قصة يوسف عليه السلام، أنزلها الله في سورة كاملة لتحذير الآباء من خطورة تفضيل أحد الأبناء على الآخر ، كما فعل نبي الله يعقوب حين فضل يوسف عليه السلام على باقي الإخوة الشيء الذي أجج في نفوسهم الحقد على أخيهم وبالتالي دفعهم إلى رميه في البئر و بعد ذلك بيعه.
إن تفضيل الأبناء إما بالزيادة في الإكراميات المادية لواحد دون الآخرين ، و إما بالحب الذي يكون عاملا نفسيا في تأجيج الحقد و الكراهية بين الإخوة ، أو يكون سببا في بحث الجانب الآخر ( المفضل عليه ) عن عوض لحب الوالدين ، ليسلك طريق التائهين بين الأقران و الأصحاب و الذين يكونون غالبا من رفقاء السوء ، ونظرا لما يحمله في نفسه من أفكار ظلامية والتي تتمثل أساسا في كون والديه يكرهانه (...) أو بمعنى أخر و حسب قول العديد من الشبان " مشاكل الدار "
يلجأ إلى نسيان المشاكل و نسيان الذات و الدار ، ليركب قاطرة الانحراف من تناول المخدرات و الإدمان بشكل عام ، وبالتالي اللجوء إلى الإجرام لما تلعبه المخدرات وبالأخص الصلبة منها ( حبوب الهلوسة. ..) في تغييب العقل لمدة أطول و بالتالي القيام بسرقات و جرائم تؤدي بصاحبها إلى سنوات من السجن و قد تكون الجريمة إذا قدر الله في حق أحد الأصول.
ولم تقتصر " الحكرة " على الوسط الأسري بل تتعدى ذلك إلى أبعد حد ، و يبقى الفقر وجه من أوجه الحكرة في الشارع المغربي بل و في الوسط التربوي و المدرسي الذي يستلزم المساواة و تكافؤ الفرص بين الجميع من أجل جودة التحصيل العلمي و المعرفي ، الشيء الذي وللأسف لا زال قائما في المدارس المغربية ، " ولد الدرويش باين " يتميز بالبساطة في اللبس والمعيشة و بسبب الفقر ربما تنقصه بعض الأدوات ولا حرج فالفقر ليس عيبا ، لكن العيب عدم تقدير الظروف الاجتماعية للطفل من طرف فئة من الأسرة التعليمية ، والذين لا يكلفهم عناء حمل السوط وضرب الأطفال ، فالوسط التعليمي في الدول المتقدمة قد تجاوز مثل هذه الإكراهات ووجدوا حلولا من بينها توحيد اللباس المدرسي و توفير الدعم للأطفال الفقراء الشيء الذي يكون في بلدنا فقط أمام الكاميرات. ..
و الغريب و ما يثير الدهشة عندما تكون للسلطة يد أساسية في " للحكرة " ، ولعل ما يراود ذاكرتي دائما ، لحظة احتجاج المعطلين من دوي الاحتياجات الخاصة ، أمام وزارة بسيمة الحقاوي ، للأسف لم يسلموا من " هراوات المخزن " ولم تأخذ بعين الاعتبار حالتهم الصحية والنفسية على أذني حد ، وأيضا لما يعانونه من إعاقات لا تسمح لهم حتى من الفرار من بطش المخزن.
غرباء في الوطن ولعل قول المثل صادق في هذا الباب " الفقر في الوطن غربة " فالمواطن العاطل الذي لا يجد في جيبه لا درهم ولا دينار، ويبحث عن العمل ليل نهار ، ذنبه أنه ليس من " داك الغصن " ، وكما يقول المغاربة وبالعامية " والله ما عندك ركيزة صحيحة لا خدمتي "
غرباء حين تشهد أمام البرلمان مطاردات هوليودية للمعطلين ، ذنبهم أنهم حملوا تلك الشواهد اللعينة ، ليطالبوا بحق من الحقوق الدستورية ( حق الشغل ) مطاردون كأنهم غرباء عن الوطن ، لولا الإيمان لانتحر ثلث المغرب ، ولولا الأمل لانتحر الثلث الثاني ، والثلث الباقي هو المستفيد من ثروات الوطن و خيراته.
فالعمل في الوسط العربي ككل مقرون بالزبونية والمحسوبية فهذا الأمر ليس حصرا على المغرب ، لكنه دائما يأخذ دور البطولة في انتشار بعض الظواهر ، كالرشوة و الزبونية و المحسوبية ، بالإضافة إلى حوادث السير.
الحكرة في المؤسسات العمومية و المستشفيات ، لا تزال ثقافة " باك صاحبي " رائدة في هذا المجال باعتبارها أداة لتيسير المصالح بمفهوم " قضي لي نقضي ليك " فولوج بعض المرافق العمومية ، وبالأخص بعض المستشفيات يجعلك في حيرة من أمرك ، فمن دخل إحدى المستشفيات لا يسعه سوى الدعاء " اللهم متع كل المغاربة بالصحة و العافية "
يشعر بالحكرة والشماتة، من انخرط في بعض النقابات العمالية لتدافع عنه و عن حقوقه ، ليجد نفسه قد اقتنى بطاقة لا فرق بينها و بين تذكرة قطار سوى أن القطار تستفيد منه ، بطاقة انخراط بمقابل مادي يصل إلى 100 درهم ، البطاقة المشئومة التي كانت سببا في طرد العديد من العمال من شغل لأنهم لم يعلموا أن " الحق عند مول الشكارة ".