للكاتب الدكتور حاتم السكتاني.
بدأنا نشاهد هذه الآونة الأخيرة عينة عجيبة غريبة من المنتمين إلى عالم السياسة والطامحين دون سند نضالي وتاريخي إلى تقلد مناصب سياسية تفوق بكثير إمكانياتهم الفكرية وقدرتهم على التعبئة والإقناع. إن التدرج في المسار السياسي شبيه إلى حد كبير بالتدرج في مناصب المسؤولية، يستوجب سيرة ذاتية زاخرة بالإنجازات والتراكمات وكذلك التشبث بخصلة الأناة الضرورية في هذا الميدان المعقد والمتقلب وانتظار الفرصة والظروف المواتية لاستثمار كل المجهودات المبذولة خلال التجربة السياسية.
إلا أن الواقع غير ذلك، الجميع أصبح يطمح إلى الاستوزار، الجميع أصبح يطمح إلى الأمانة العامة للأحزاب وإلى رئاسة البرلمان والفوز في الانتخابات غير مكترث برصيده النضالي ظانا كل الظن أنه المهدي المنتظر وأنه "مولاي السلطان" الذي تشتاق إليه الجماهير المتعطشة لإطلالته البهية عليهم !!!!
إنه مرض جنون العظمة بل جنون البقر في أحيان أخرى، فتارة يتحفنا بصوره البطولية والخرافية متخذا وضعيات متنوعة مزهوا بشبابه المصطنع بملابسه القشية غير مكترث بإحساس الإنسان البسيط الذي ليس له من هم حقيقي سوى قوته اليومي. وحتى لو افترضنا أنه أراد أن يموه الغير بأنه "ابن الشعب" تخونه لهجته وتخونه قلادته الذهبية المرصعة بالماس. أما عندما يتعلق الأمر بالخطابات أو "بالنابوبي" فتجده أولا من يعطيهم "عشرة لزيرو" ظانا بأن "شعيب" قد تنطلي عليه هذه الحيل والألاعيب.
ويأتي اليوم الذي يشتد عليه المرض ويصاب بنوبة من الجنون فيصيح : يا قوم ! ها أنذا "أنا المنقذ" "أنا البوݣــوس" "أنا الواعر" "أنا وحدي نضوي البلاد" فيتحلق حوله الشناقة فيظن أن هذيانه وجدبته حقيقية فيدخل إلى حلقة الأقوياء وعرين الأسود بوزن أقل ما يقال عنه أنه وزن الريشة، دخوله إلى الحلبة شهادة وفاة لمساره السياسي ونكسة قد تعصف بضحاياه أيضا. أما كان من الحكمة أن يسلك طريق "هواريو"؟
كثيرون منهم يدخلون إلى العرين في وقت يكون فيه الليث شبعانا فيتركهم يرقصون ويصرخون حتى إذا أتى وقت "الهمهم" انقض عليهم في لمح البصر وأكلهم لحما وعظما ورمى بثيابهم المزركشة في القمامة. إنها قمامة من أرادوا أن يصنعوا مجدا قبل الأوان بل ومجدا بلا استحقاق.
نصيحتي إلى جميع من كان ذا طموح وأراد صعود الجبال أن يعد العدة ويختار رفقاء دربه الصلحاء ويبني مشروعه السياسي لبنة لبنة حتى إذا جاء اليوم الموعود ونضج الشخص بما يكفي ويلزم، سهلت حينئذ المهمة وبوركت من الجميع أو على الأقل الأغلبية ووجد الطامح نفسه في لائحة المرغوب فيهم لا في لائحة المنبوذين. حينها تأتي السياسة بظفائرها وابتساماتها وتقول "هيت لك".
"وهادالشي إلى ݣـلناه غير باش تقضي وتسلك قبل ما تهلك"