وجد الرئيس الجزائري عبد العزيز الأول (صاحب الولاية الخامسة) كل الوقت ليدبّج رسالة تهنئة من كرسيه المتحرك ويوجهها ،من مدينة الجزائر إلى مدينة تندوف ، الواقعة تحت احتلال الجزائر، لنظيره عبد العزيز المراكشي الثاني (صاحب الولايات التي لا تنتهي) ، يؤكد له فيها استمرار المساندة والدعم اللاّمحدود واللاّمشروط لشقيقه الذي يعاني هو الآخر من أوجاع وأمراض تنخر جسمه العليل . وهي في الحقيقة رسالة تفريج عن النفس من مريض إلى مريض، وأنه سيقف مع "الشعب الصحراوي الشقيق إلى حين تحقيق حقه في تقرير المصير ".
لا يعرف الرئيس عبد العزيز الأول أن الصحراويين ، المحتجزين في غيتوهات تندوف منذ ما يقرب من أربعين سنة ، شرعوا ،فعلا،في تطبيق حقهم في تقرير مصيرهم ، بالتعبير عن رغبتهم في العودة إلى الوطن الأب : المغرب ؛ وبرفض عائلات صحراوية الرجوع إلى جحيم تندوف بعد انتهاء مدة زيارتهم لذويهم وأقاربهم في المدن الصحراوية بالأقاليم الجنوبية المغربية ؛ وبالتنديد بفساد القيادة الفاسدة والمريضة لقيادة لم يخترها أحد من الصحراويين في أيّ يوم من الأيام ؛ وبالمطالبة برحيلها ومحاكمتها على الجرائم التي ارتكبتها في حق أجيال متعاقبة من الصحراويين المغاربة . أكثر من ذلك ، ترتفع اليوم أصوات انتفاضة الشباب من داخل تندوف لتطلب برفع الحصار عن المحتجزين ، وفتح أبواب المخيمات في وجه المنظمات والهيئات الأممية الدولية لمعرفة ما يجري بالضبط داخلها ، وتلبية رغبات الصحراويين الملحة والمتزايدة بالرجوع إلى بلدهم : المغرب .
أما عبد العزيز الثاني فإنه لا يعرف بعد أن رسالة داعمه ومحتضنه الرسمي ،عبد العزيز الأول ، وما جاء فيها من تضمينات ، لن تفيده في شيء ، ولن تمنحه شرف الرئاسة التي يحلم بها والتي هرم من أجلها ، بل هو مجرد ورقة "جوكير" انتهت صلاحيتها ، وقريبا سيتم رميها في سلة المهملات . كما لا يعرف عبد العزيز الثاني بعد أن الغضب الذي يواجهه شقيقه عبد العزيز الأول في مختلف أنحاء الجزائر، هو نفس الغضب الذي يثور في وجهه في مختلف " الولايات" بالمخيمات.
الجزائر تحاول أن تمسح التأثيرات الكبيرة، على مختلف المستويات، التي خلّفتها زيارة الملك محمد السادس لبعض الدول الإفريقية ، وتخوض صراعا مريرا مع نفسها لدرجة أنها أقسمت بأغلظ الأيمان أن لا تتخلّى عن منطقة الصحراء والساحل ، وهي على استعداد بمدّها بكل ما تحتاج إليه في محاولة بئيسة لوأد العلاقات المتميزة لبلدان المنطقة مع المملكة المغربية ، وكأنها لا تعرف أن هذه العلاقات هي روابط أعمق وأمتن وأقوى من دنانير الجزائر التي تحوّلها إلى دولارات لإسالة لعاب دول المنطقة . كم دفع القذافي وصرف من أموال الشعب الليبي فقط من أجل استضافة قمة إفريقية في طرابلس ، وما نجح في ذلك؟ كم بعث من صناديق تحوي أغلى وأنفس الهدايا لدول من أجل شراء موقفها بدون نتيجة ؟
في نواكشوط ، حلّ رمطان لعمامرة ،وزير خارجية عبد العزيز الأول ،وهو يحمل كل الوعود ـ وربما الوعيد ـ بغية إقامة شراكة "قوية" مع موريتانيا . كان النظام بالجزائر يكتشف لأول مرة نواكشوط ليعرض عليها "توثيق التنسيق والتعاون "على جميع الأصعدة ، وعلى الأخص السياسية والأمنية والعسكرية ، على مستوى المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء، إضافة إلى "التنسيق في المواقف بين موريتانيا والجزائر البلدين اللذين يتقاسمان الأهداف المتمثلة في بناء منطقة متكاملة متجانسة مستقرة."
هنا يحضر المغرب في زيارة مبعوث عبد العزيز الأول لنواكشوط وجولته في المنطقة. وإلاّ ما الداعي لكل هذا السخاء الجزائري ـ الموعود ـ الذي يحمله الوفد الجزائري معه في حقائبه للدول المعنية . النظام الجزائري لم ينس الردود والرضوض التي خلّفتها الزيارة الملكية لعدد من الدول الإفريقية .ولذلك ، فهو يبادر بإرسال الرسائل والوفود في كل الجهات لحاجات في نفس عبد العزيز الأول لخدمة مصلحة شقيقه عبد العزيز الثاني . كلا العبادلة يعاني . ضعف الطالب والمطلوب .