لحظة تذكر الحادث الأليم، 16 ماي الإرهابية مناسبة لتقييم حصيلة المقاربة التي اعتمدتها الدولة في مواجهة خطر الإرهاب. بعد أن استفاقت من حالة الهلع الذي عاشته في ذلك اليوم، واستجمعت قواها من الخوف الذي تسرب إلى مفاصلها، ودفعها إلى توسيع دائرة الاعتقالات. بدأت بتنزيل مقاربة ثلاثية تجمع بين الصرامة الأمنية، والحوار النصيحة، وإعادة ترتيب أولوياتها، في الحقل الاجتماعي.لقد أبانت المقاربة الأمنية نجاعتها إلى حد ما. وتمكنت من استباق المخاطر، وتوقع الأحداث، وتطوير تقنيات الاختراق،
والتعاطي مع شبكات التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يجري. وبالفعل حققت هذه المقاربة نتائج طيبة، ومكنت من تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية، وتقدير الأخطار التي تتهدد الوطن، عبر رفع درجة التأهب الأمني، وتعزيز التنسيق المخابراتي بين أجهزة الأمن ومديرية حماية التراب الوطني.ودشنت الدولة حوارا حذرا مع ما يسمى شيوخ السلفية الجهادية. وفعلا أفرجت عن بعضهم لحسن السيرة والسلوك. وفتحت قنوات الاتصال مع بعضهم الآخر من داخل السجون، حتى يتسنى طي هذه الملف بشكل نهائي، وضمان
إدماج هذه الفئة في حياة سياسية ومدنية طبيعية. وللتدليل على وجود إرادة للتسوية، كانت صلاة الملك، أمير المؤمنين، خلف واحد من رموز السلفية، الشيخ الفيزازي، رسالة تقرأ من عنوانها، وتبعث إشارات كثيرة إلى الآخرين الذين ما تزال تراودهم، عن أنفسهم الأمارة بالسوء، فكرة تهديد أمن الوطن.بالمقابل، يبقى الشق الاجتماعي الحلقة الأضعف ضمن مقاربة الدولة لمكافحة الإرهاب. فقد راهنت الدولة على تعزيز ظروف عيش السكان، والاهتمام بالفئات المهمشة، وبدأت التغلغل داخل فضاءات ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن اهتمامات الدولة المركزية .إلا أن نتائج هذه المقاربة بقيت محدودة النتيجة، لاعتبارات موضوعية ذات علاقة بتعقد الوضعية الاجتماعية لفئات واسعة من المجتمع، وأسباب ذاتية مرتبطة تحديدا بسياسات الحكومات المتعاقبة، واختلاف مقاربتها المالية للمسألة الاجتماعية.إن الحرب على الإرهاب لم تنته بعد، وإن قلت الأخطار التي كانت تحدق بالبلاد، لكن نشوة الانتصار على الإرهاب لا يجب أن تنسينا حقيقة مفادها أن شروطه الاجتماعية التي نشأ فيها ما تزال قائمة، وأن المراجعات الفكرية، عبر الحوار، يجب أن تلعب دورها.
عن الصباح.