حين نص دستور فاتح يوليوز على تجريم التعذيب، فإن ذلك لم يكن مجرد محاولة لتلميع صورة المغرب، بل كان تعبيرا عن إرادة صادقة لوضع حد لكل الممارسات التي تمس حقوق الإنسان في سياق التطور الذي دشنه المغرب منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي.
ولم يجد المغرب بعد ذلك أدنى حرج في فتح أبوابه أمام كل المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، بل استقبل بصدر رحب المقرر الأممي المكلف بالتعذيب خوان مانديز ، فعبر عن شكره للمغرب على "تعاونه وجهوده المتواصلة" الرامية إلى تفعيل التوصيات المتعلقة بمحاربة ظاهرة التعذيب، وأشاد، لدى تقديمه لتقريره أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، بتعاون المملكة مع المساطر الخاصة والآليات التي أرساها مجلس حقوق الإنسان الخاصة بالقضايا الموضوعاتية في العالم أو حول الوضعية الخاصة لبلد ما.
وأبرز المقرر الأممي، أن التعذيب ليس سياسة ممنهجة، وثمن "بروز ثقافة حقوق الإنسان"، معربا عن ارتياحه للسير الجيد لمهمته في المغرب، خاصة الولوج الحر لجميع أماكن الاحتجاز.
وكتب خوان مينديز أن "ثقافة حقوق الإنسان بصدد التطور ومختلف السلطات التي التقيتها أبانت عن إرادة سياسية"، معتبرا إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان "الجانب المؤسساتي الأهم في هذه الثقافة الصاعدة".
اليوم تأتي منظمة العدل الدولية، في محاولة يائسة للعودة، إلى نقطة الصفر، مدعية أن السلطات المغربية نادراً ما تحقق في بلاغات التعرض للتعذيب، ومستشهدة بحالة علي أعراس الذي سلمته إسبانيا إلى المغرب، ومزاعم زكرياء المومني، الذي لا يعدو أن يكون مجرد نصاب أدانه القضاء، فتحول بقدرة قادر إلى مناضل حقوقي.
الغريب أن منظمة العفو الدولية لم تتحدث عن الجزائر التي يتعرض فيها المواطنون إلى شتى أنواع التنكيل، والتي لا تفتح الباب أمام المنظمات الحقوقية لزيارتها ما لم تكن تدور في فلكها، وتعد تقارير تساير هواها.أما المغرب فقد اختار سياسة الانفتاح والأبواب المشرعة أمام كل الهيئات والمنظمات والجمعيات بما في ذلك تلك التي تناصبه العداء، وترعاها الجزائر كمؤسسة كنيدي لحقوق الإنسان، بدون عقد، وبدون حرج لأنه يؤمن أن ثقافة حقوق الإنسان تأتي عبر تحقيق التراكمات، وتكبر يوما بعد يوما.