أمام الضربات الموجعة التي يتلقاها الانفصاليون يوما بعد يوم، لم تجد الصحافة الجزائرية ، مرة أخرى ، بدا من البحث عن أي ذريعة ، حتى ولو كانت من وحي الخيال ، من أجل تمكين كيان وهمي من الحياة، وإن كلف ذلك ضرب المصداقية التي لا زالت تتمتع بشيء قليل منها.
و قد بلغ الأمر بهذه الصحافة حد إقحام مؤسسة ديمقراطية لبلد ذات سيادة ككولومبيا في لعبة دنيئة ينتهجها الانفصاليون سعيا لتحقيق أهدافهم الماكرة، متناسية (الصحافة) بأن العالم أصبح قرية صغيرة تتنقل فيها المعلومة بسرعة البرق إن لم تكن وبوضوح أكبر.
فقد أوردت وكالة الأنباء الجزائرية (واج) ، مؤخرا ، “سكوب” نقلا عن وسائل الإعلام الموالية للانفصاليين، جاء فيه أن “مجلس الشيوخ الكولومبي طالب في لائحة قدمها لرئيس جمهورية كولومبيا السيد خوان ماتو سانتوس حكومة بلاده بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وتنشيط العلاقات معها”.
لكن، هذا “السكوب” جعل مروجي الدعاية الانفصالية يخطئون الهدف مرة أخرى، بعدما سارع مجلس الشيوخ الكولومبي إلى نفي اعتماده أي قرار بشأن قضية الصحراء، بل وأكد أن جدول أعمال المجلس لم يتضمن، أصلا، أية نقطة متعلقة بهذه القضية، ليفشل الانفصاليون الذين توسعوا في فهم كيفية اشتغال نظام سياسي لبلد لاتيني ضحى غاليا من أجل الحفاظ على وحدته الترابية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي دفع دمى النظام الجزائري بتندوف إلى الوقوع في هذا الخطأ الجسيم؟. ذلك أنه من البديهي أن تتقدم مجموعة برلمانية كيفما كان حجمها ، صغيرة أو كبيرة ، بمقترح أو بقرار كإجراء عادي في ظل الديمقراطية. بيد أن ذلك يبدو غير عادي لأتباع الفكر الستاليني الذين يخلطون بين المقترح والقرار، تعبيرا عن نوايا خبيثة لطرف يبحث عن أحلامه في أرض الواقع.
كما أن كولومبيا التي سبق أن سحبت اعترافها بالجمهورية الوهمية منذ سنة 2000، تعد من بلدان أمريكا اللاتينية التي تقيم علاقات وثيقة مع المغرب وتسعى إلى تعاون أوسع حول القضايا ذات الاهتمام المشترك ومتعددة الأبعاد، فضلا عن أن مواقف البلدين متناسقة داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اعتبار أنهما عضوان غير دائمين به.
وفضلا عن ذلك، سبق لبوغوطا أن عبرت ، في أبريل 2013 ، عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء وللمقاربة الواقعية للمملكة من أجل تسوية لهذا النزاع. فما الذي تغير إذن؟.
وهكذا، تكون الدعاية الانفصالية قد أخطأت العنوان حين اختارت مجلس الشيوخ الكولومبي كهدف لهذيانها.
ويكشف الهروب المتكرر إلى الأمام ل(البوليساريو) وللذين يوجهونه الارتباك الذي يقع فيه يوما عن يوم خصوم الوحدة الترابية للمملكة، أمام الانتصارات المتتالية التي تحققها الدبلوماسية المغربية في إدارة الملف العادل للقضية الوطنية.
وينضاف إلى السحب الدولي المتواصل للاعترافات بالجمهورية الوهمية، قرار المغرب ، ومن دون عقد ، تصفية كافة الملفات ذات الصلة بقضية الصحراء، في مقدمتها جانب حقوق الإنسان الذي يتخذه الانفصاليون مطية للترويج لادعاءاتهم الباطلة.
ووعيا منها بضرورة معالجة أي قصور في مجال احترام حقوق الإنسان سواء بشمال البلاد أو جنوبها، تعمل المملكة جادة من أجل التوفر على الميكانيزمات والآليات القمينة بالحفاظ على كرامة أي مواطن مغربي والنهوض بحقوقه كما هو منصوص عليه في الدستور.
وفي تقريره الأخير حول الصحراء، اعترف مجلس الأمن الذي يتحدث باسم المنتظم الدولي، وأشاد بالإجراءات الأخيرة للمغرب ومبادراته من أجل تعزيز اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالداخلة والعيون، جوهرتي الأقاليم الجنوبية.
فالمغرب يكون بذلك ماض في طريقه الصحيح، وما على (البوليساريو) سوى الاستمرار في التغريد خارج السرب.