أقرأ في الصحافة كم أخذ توفيق بوعشرين وزملاؤه من الأمير مولاي هشام وأتلمظ. لا أخفيكم، لعابي يسيل الآن على الورقة، وعلى لوحة «الأيباد»، وأبلل المرمدة والسيجارة وفنجان القهوة والطاولة وكمّ قميصي. ما هذا الظلم أيها الأمير المنبوذ؟ تحكي لنا أنك عادل وديمقراطي وتحارب المخزن، وفي الوقت نفسه تميز بيننا نحن الصحافيين. ماذا كنت ستخسر لو نفحتنا جميعا ذلك المبلغ، 90 مليونا، أو أقل أو أكثر، لنشعر بأننا سواسية في هذا البلد، وبأن لا فرق بين صحافي وآخر؟
لقد فرّقت بيننا ووترت زمالتنا وخلقت جوا مشحونا، وأنا بالضبط صارت لي عقدة من توفيق بوعشرين، وأصبحت مريضا بسببه، وبسبب شلتك الصحافية. وسأعترف، أمام الملأ، بأني لم أعد أقوى على الكتابة، وكلما هممت بالعمل تكسر قلمي وتعطل «أيبادي» وذهب عقلي إلى المال. لم يعد يشغل بالي ماذا سأكتب، بل كيف حصل زملاء لي على مبلغ، لن أتمكن من جمعه حتى لو اشتغلت سبعين سنة، والصحافيون عادة يموتون في سن مبكرة، وقليل منهم فقط من يصل إلى تقاعده حيا يرزق.
صدقني، أشعر بالظلم، وأظن أن معظم الصحافيين من أمثالي ينتابهم الشعور نفسه؛ إلا أنهم ليسوا بمثل وقاحتي ليطلبوا تعويضا عن الضرر الذي أصابهم، من كيلك بمكيالين، وتوزيع المال الوفير على بعض وحرمان البعض الآخر منه. ودون أن تدري خلقت صحافيين أثرياء وآخرين ينتظرون أول الشهر بفارغ الصبر، ولن تصدقني إذا أخبرت سموك بأنه، في بعض المرات، لا يأتي أول الشهر، ويتمنع ويرفض ويبتعد ويأخذ مسافة. صرت بسببك حقودا ويلعب غل في صدري، أحسد زملائي الناجحين، وأعاتبك في السر والعلن؛ لأنك خلقت هذه الفجوة، بعد أن كنا أسرة واحدة ولنا نقابة تجمعنا وبطاقة تمنحها لنا وزارة الاتصال فيها عددنا ومواليدنا الجدد.
المخزن الذي تحاربه شحيح ولم يمنحنا درهما واحدا؛ بينما كنت سخيا، وخطؤك الوحيد هو أنك ميزت بين الصحافيين، وأججت العداوات والفوارق الطبقية بين أفراد ينتمون إلى العائلة نفسها. لو كنت تعاملت معنا على قدم المساواة ومنحت شيكا للجميع ودون تمييز، لصمتنا ولم ننبس ببنت شفة، ولاشترينا شققا «كاش»، ولما ظلت الأبناك تأخذ رواتبنا ولا تترك لنا إلا الفتات، ولحاربنا معك المخزن وتشاجرنا معه ورأيناه مهزوزا ومهزوما، ولاكتشفنا بانبهار نمط تفكيرك الأنغلوساكسوني، وكتبنا عنه، ولما شعرنا بالحيف والغيرة، ونحن نقرأ عن زملاء لنا اغتنوا وتركونا أسفل الصفحة.
في نظري، ما زال الوقت يسمح لتدارك الأخطاء وسوء الفهم الحاصل، فلسنا بتلك الكثرة التي يتخيل البعض، وعددنا الرسمي وأسماؤنا كلها موجودة لدى وزارة الاتصال.. وبمجرد أن نقدم لك البطاقة، نأخذ الشيك، كي نتأكد فعلا أنك عادل وديمقراطي. وكما أنقذت صحافيين في الماضي من الفقر، من واجبك أن تتعامل معنا نحن أيضا بالمثل، وتمنحنا المبلغ نفسه، ولن نختلف عن مليون زائد أو ناقص؛ فالأهم هو المساواة والشفافية، وكل صحافي بقدر عمله ومجهوده وانتشار موقعه وجريدته.
منذ أن انتشر الخبر، وأنا في وضع غير طبيعي، صرت لا أنام وفقدت شهية الأكل، وطوال اليوم تدور الملايين في دماغي، وأتحسسها وأكظم غيظي؛ لكن غيظي يخرج ويفضحني، وأرى زملائي بعين الغيرة والحسد، البخلاء ولا واحد منهم ارتأى أن يقتسم معنا المبلغ، رغم أننا أسرة واحدة من واجب أفرادها أن يتضامنوا في ما بينهم.
المصيبة هي أنهم أخذوا المال وانصرفوا، ولم يخلصوا لك، وبعضهم يخاف حتى أن يذكر اسمك، ويتعامل مع سموك كأنك غير موجود، وكأنك لم تصدر كتابا، وكأنك لم تخلق الحدث، وبدل ذلك ذهبوا إلى قطر وتمرغوا في الفوسفاط، ولم يشغلونا معهم في العربي الجديد، ولم يقتسموا معنا ثروتنا الوطنية، يكدسون الأموال، ولا يفكرون في زملائهم.
آن الأوان أن يقف الصحافيون المغاربة وقفة رجل واحد، وأن نطالب بالملايين نفسها والشيكات نفسها؛ فما حصل ميز، وكلنا مستعدون أن نصرخ: المخزن سيء، المخزن مهزوز، ولن يضيرنا ذلك في شيء، ما دام سينقذنا من أقساط البنك، ومن هذا الجو المشحون والمتوتر، ومن مناخ الحسد والعقد النفسية التي تكونت بفعل المال وتفضيل الأمير لصحافيين محددين وتهميش البقية.
أعرف أنك مشغول ووقتك ثمين؛ لكني متأكد أنك لن تقبل هذا الوضع، ولن تخسر شيئا إذا ضغطت عليهم كي يقتسموا معي ثروتهم، كي أعود إلى جادة الصواب، وكي أتخلص من فائض الحقد لدي، وكي يسلس قلمي وأشفى من عقدي، وكي أتأكد من وجود العدل بين قبيلة الصحافيين، وأننا نشبه بعضنا البعض ونقتسم الحلو والمر والسهر والتعب والراحة و«البوكلاح»، وننتظر الراتب بفارغ الصبر، ولا نتلمظ، ولا يسيل لعابنا، ونحن نقرأ أن زملاء لنا أخذوا تسعين مليونا دفعة واحدة، ودون عناء، ودون أن يخجلوا من أنفسهم، ومن إساءتهم لواحدة من أجمل المهن التي خلقها الله.
حميد زيد