قلة من المغاربة تعرف أن الوصول إلى القرار الأممي الصادر الثلاثاء عن مجلس الأمن كان صعبا للغاية، وقلة أيضا تعرف كم المشاق الديبلوماسية والسياسية التي تكبدها البلد من أجل حرمان الانفصاليين والجزائر من ورائهم من وضع قدم استعمارية في صحراء المغرب.
لكن أهم شيء في الختام هو أن المغرب نجح في مسعاه، وتمكن من إقناع الأمم المتحدة بأنه من العبث وضعه هو والبوليساريو في كفة واحدة، ومن العيب الحديث معه في مجال حقوق الإنسان، في الصحراء أو في غير الصحراء، بنفس المنطق الذي يتم به الحديث مع الجزائر (وهي دولة رأينا قمة احترامها لهاته الحقوق من خلال تمكين رئيس ذي احتياجات خاصة من مواصلة الحكم) أو مع البوليساريو، وهي جماعة أو عصابة أو لنقل شرذمة من الناس الذين لم يلتقوا مع كلمة حقوق الإنسان هاته أبدا في تاريخهم، ونتحدث هنا طبعا عن القيادة المتنفذة في تندوف، وليس عن اللاجئين المحتجزين قسرا من أبناء هذا البلد العائدين إليه -طال الزمن أم قصر – في يوم من الأيام.
المغرب نجح أيضا في إقناع العالم بأن المسألة لا علاقة لها بحقوق الإنسان، أو بمراقبة جهة ما لها، بقدر ماهو متعلق برغبة في إطالة أمد صراع مفتعل عمر لعشرات السنوات دون أن يسنده داخليا أي معطى موضوعي. ولولا الدعم الجزائري السخي والغبي في الوقت ذاته لهاته القضية الكاذبة لما استطاعت البوليساريو أن تصمد في وجودها أكثر من شهرين.
الكل اليوم، بما فيه الإعلام الإسباني في جزئه المتعاطف مع البوليساريو، متيقن أن الحكاية لا علاقة لها بحقوق إنسانية أو سياسية، لكنها في المستهل والختام بالنسبة للجزائر، محركة هذا النزاع، مسألة خيرات طبيعية تريد الاستيلاء عليها. ولأول مرة في تاريخ هاته القضية نسمع بهذا الوضوح المطالبة الجزائرية بالاستفادة من ثروات المنطقة، ولأول مرة أيضا نرى هاته المراهنة بشكل عاصف وأهوج على الوصول إلى إعمال آلية المراقبة هاته مهما كان الثمن.
لماذا؟
الجواب سهل للغاية، ويفسر نفسه بنفسه. فمع وصول بوتفليقة إلى حده البيولوجي، مهما فعل الجنرالات لإطالة أمده قليلا، ستعيش الجزائر فترة غير يسيرة سيكون عليها تدبر أمر رئيس يلعب الدور ذاته الذي يلعبه رئيس الكرسي المتحرك. ومن يحكمون الجزائر اليوم يعلمون علم اليقين أن البلد لديهم، وحين وقوع هذا الأمر اللامفر منه سينسى وإن مؤقتا، شيئا يسمى البوليساريو و”الشعب الصحراوي” و”تقرير المصير”، وبقية الخرافات وسيركز على الشأن الداخلي الجزائري، وهو شأن غير سهل نهائيا.
القبايل كلها تغلي، وعود ثقاب واحد قادر على إشعالها. البطالة تحطم كل الأرقام القياسية في بلد هو الأغنى في المنطقة المغاربية بثرواته الكثيرة. الطبقة السياسية التي حكمت منذ الاستقلال وحتى الآن وصلت إلى حدها الأخير. المعارضة لم تعد قادرة على لعب أي دور في المشهد ككل، الرصاص الحي أضحى السبيل المفضل للرد على الاحتجاجات، وما وقع في غرداية غير بعيد هنا، ثم هناك التهديد الإرهابي القائم دوما وأبدا في المكان.
بظروف مثل هاته ستنسى الجزائر تماماً، حال توفي بوتفليقة وكانت ملزمة بعيش فترة انتقالية لضمان خلف له، البوليساريو ومن خلق البوليساريو، حتى وإن كانت هي خالقتها، وستركز فقط على ضمان عدم خروج أمور التحكم ومواصلة الحكم في رقبة الشعب الجزائري من يدها.
لذلك كان كل هذا الإصرار في الآونة الأخيرة على إقناع مجلس الأمن بأن مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء هي أولوية الأولويات، والأمر كان سيشكل مدخلا أساسيا للمساس بسيادة المغرب في جزء من أرضه، وبداية لإقناع المنتظم الدولي أن حل هاته القضية المفتعلة هو تدويلها.
لحسن الحظ الذكاء المغربي حضر، والحزم المغربي رافقه. ذكاء جعل البلد يفتح كل أبوابه لكل لجان الأمم المتحدة وبعثات هذا لزيارة المنطقة ومعايشة الوضع فيها عن كثب وهو ما جعل تقرير بان كي مون يتحدث عن حياة طبيعية هادئة في الصحراء المغربية لا علاقة لها بالاستيهامات الحقوقية والفانطازمات السياسوية التي تروجها البوليساريو والجزائر.
وحزم عبر عن نفسه من خلال تدخل ملكي صارم وضع النقط على الحروف، وأبلغ الأمين العام الأممي أن المغرب المتعاون في كل شيء، يصل حتى حدود سيادته ولا يقبل أي كلام.
انتصار مغربي جديد علينا تعزيزه بالمزيد من الذكاء والحزم الإضافيين… فقط، لاغير.