صوفية المنصوري*
سمو الأمير .
وصف كتابك عند صدوره بأنه القنبلة التي ستهز أركان الملكية وعلى غلافه كتب "الامير الأحمر يشعل النار في القصر" ،وفي ردك على هذه الاوصاف في حوارك مع قناة فرانس24 الفرنسية ،اعتبرت أن كتابك لا هو بالقنبلة ولا بالنار وانما قلت انه سيكون له مفعول الأسيد.
بحثت في طيات الصفحات عن مفعول القنبلة ومفعول النار ومفعول الأسيد ولم أجد لا هذا و لا ذاك، ما وجدته كان مجرد حكايات شخصية وطموح وخيبات أمل في عدم تحقيق الطموح الذي تحول بعد ذلك الى مواجهة ،حكمتها مرحلتين هامتين :
- المرحلة الأولى :امتدت من 1989الى 1999 حيث كان طموحك على أشده لظنك أن عمك المغفور له الحسن الثاني ،يحضرك كما آخرون لتولي مسؤوليات مهمة في الدولة بعد وفاته ، خلال هذه الفترة كما تقول قمت بمبادرات عديدة أحادية الجانب على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والدولي ، رغبة منك في أن تظهر لعمك أنك قادر على تدبير شؤون عديدة وان لك شبكة علاقات يمكنك الاعتماد عليها .وقد دفعك طموحك المبالغ فيه باعتراف منك الى ارتكاب أخطاء عديدة لا تغتفر ، لأنها لم تكن باذن من الملك الحاكم الفعلي للبلاد والمسؤول عن القرارات وحتى المبادرات بالداخل والخارج ،مما كان يسبب حرجا للمغفور له الحسن الثاني و المغرب ، وهو الامر الذي كان سببا في غضبه منك ،في هذه المرحلة أصبت بخيبة أمل لأنك اكتشفت أنه لن توكل لك أي مهمة .
- المرحلة الثانية : بدأت من 1999 الى اليوم ،فمع وفاة الحسن الثاني واعتلاء الملك محمد السادس العرش لم توكل لك أي مهمة ،وحسب الرواية التي قدمت طلب منك مغادرة القصر ،والسبب كما ذكرت أنك قدمت نصائح للملك الجديد عما عليه فعله في بداية حكمه.
سمو الامير:
لقد سبق وقلت في مقدمة تحليلي لكتابك أن قراءته وتحليله لم يكن بالتمرين الهين وهو كذلك ،فكيف يمكن أن نفصل بين الشخصي والعام في تحليلنا لما ورد في كتابك من انتقادات للملكية ومن حديث عن مستقبلها وعن مغرب الغد .
الحقيقة أنني كلما تعمقت في قراءة وتحليل "يوميات الأمير المنبوذ" الا ورددت سؤالا لم يفارقني على طول الصفحات 380 :هل لي أن أحكم وهل لنا أن نحكم على الملكية ومستقبلها بالمغرب انطلاقا من تجربة شخصية لأمير في محيطه العائلي؟ .قبل ان اجيب عن هذا السؤال لابد ان اناقش ما قدمته من مواقف حول هذا الموضوع ودعوتنا كقراء ومغاربة للتدبر فيها واستلهام مواقفنا منها .
مقدمة كتابك لخصت المحاور الكبرى لما جاء لاحقا فيه من مواقف واحكام وانتقادات للملكية/المخزن، أولا دعني أقول لك أنك أنت من وجهت انطباع القراء ورأيهم منذ الوهلة الاولى الى زاوية التشكيك في نواياك ففي الصفحة 9 قلت "أنك تعرضت لأشياء حقيرة في حقك وقد جاء دورك لتفعل نفس الشئ " ،بعد ذلك ظننت أن تجربتك كأمير داخل المؤسسة الملكية ومواقفك قد تكون لوحدها كفيلة بأن تدفع ب 30 مليون مغربي الى ان يحسم بعد قراءته ل380 صفحة من كتابك في أمر الابقاء أو اسقاط أو اصلاح الملكية .حيث قلت في الصفحة 15 (هذا الكتاب ينتقد الملكية من أجل أن يتخلص منها المغاربة ان كانت عندهم الارادة ،أومن أجل أن يكيفوها مع احتياجاتهم اذا كانت تلك رغبتهم ،ولكن قد نستطيع فقط الاحتفاظ والحفاظ على ما نعرفه حقا من الداخل )
في مقدمة كتابك كذلك اردت ان تحدد للقارئ و لكل من وجه له كتابك الاطار الذي من خلاله يجب التعامل معك به ،حيث قمت بشبه توصيف لك ،و أكدت أنك لست الأمير الأحمر ولم تكن أبدا ماركسيا و لا اشتراكيا ولست ضد الملكية من حيث المبدأ ولست جمهوريا ،وقدمت فيما يشبه بيان السيرة الذي يقدمه أي طالب لمنصب أو وظيفة ،أنك اشتغلت لفائدة منظمة الامم المتحدة في كوسوفو ،وتابعت مسارك الاكاديمي في أكبر الجامعات الامريكية برينستون وستانفورد واسست مؤسستك للابحاث في العالم العربي ستة 2010 ،وانضممت الى منظمة هيومن رايتس ووتش في اطار اللجنة الاستشارية للشرق الاوسط وشمال افريقيا ،وبانك رجل اعمال ناجح في مجال الطاقات المتجددة ،دون أن تنسى التأكيد على أنك أمير .
وفي اطار هذا الوصف الذي قدمته عن نفسك كنت تأتي بالشئ ونقيضه ،أنت لست ضد الملكية لكنك في نفس الوقت مستعد أن تضع خطا عليها اذا وصلت الى خلاصة أنها لم تعد ذات نفع بالنسبة للمغاربة و أنها تمنع التطور نحو الديمقراطية ودولة القانون.ص10
أنت لست جمهوري لكنك تستطيع العيش في جمهورية مغربية اذا بدا لك أن هذا النظام هو الافضل لبلدك ص10
،دعني أيها الامير أذهب معك بعيدا في التحليل وأتصور معك سيناريو جدير بمسلسلات الدراما المصرية ،في حالة ما اذا تحقق سيناريو اسقاط الملكية و أقيمت جمهورية ما هو الدور الذي ستلعبه في اطار نظام الحكم الجديد ؟ أتظن أنه ستوكل لك مهمة فيه نظرا لكفاءاتك السابقة الذكر وكونك كنت من المنادين الاوائل بتغيير نظام الحكم بالمغرب ؟ وفي حالة ما اذا تم اعتبارك منبوذا مرة أخرى لأنك من فلول النظام القديم مااذا سيكون رد فعلك ؟
لنترك هذا السيناريوجانبا لأنه ان تحقق فلن يكون الا في مسلسل درامي ،وسيكتب بالخط العريض في بدايته :شخصيات المسلسل وأحداثه ليست حقيقية وأي تشابه في الاسماء فهو من وحي الكاتب .
سمو الأمير :
لقد حاولت جاهدا في كتابك أن تظهر نوعا من الموضوعية في نقاشك لمجمل المواضيع المشتركة معنا جميعا كمغاربة ، فيما يتعلق مثلا بالمؤسسة الملكية في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني أوالعهد الحالي اللملك محمد السادس ،لكنك سرعان ماكنت تغرق في الذاتية ،هذه الذاتية ارتكزت في انتقادها للملكية على معطيين اثنين أوردتهما في كتابك وكانا حاضرين بقوة وأحددهما في مصطلح (ثنائية المال والسلطة) :المعطى الأول : رفضك الخضوع والعيش في اطارالعائلة الملكية التي تحكمها أعراف وتقاليد عريقة وضاربة جذورها في التاريخ ،ومنها رغبتك في أن يكون لك استقلال وكيان مالي خارج اطار المؤسسة الملكية ،وبعيداعن اشراف الملك من خلال الدور الابوي الذي يقوم به داخل العائلة الملكية ،وهنا تبرز قصصك عن الميراث و عن المخزن في اطار ما أسميته (الحرب الاقتصادية داخل العائلة الملكية)،
و المعطى الثاني و الاهم بالنسبة لك هو أنك كنت ترى أن لك من المؤهلات ما يمكنك من أن لا تكون مجرد أمير فقط بل عنصر فاعل و فعال في اطار المؤسسة الملكية ولما لم توكل لك اية مهمة او منصب في فترة ما بعد الحسن الثاني ، كانت سببا في سخطك على الملكية و انتقادها .
وهنا لا أمنع نفسي من طرح سؤال عميق ،ترى ماذا كان سيكون موقف الأمير مولاي هشام من الملكية ومستقبلها ،لو كانت له مهمة من داخلها ؟و الجواب لا يحتاج الى تخمين ....لقد وقفت على باب المؤسسة الملكية مرتين تطلب ودها في فترة 1989 و 1994 وعند وفاة الحسن الثاني ،وعندما أوصدت دونك كل الأبواب ،انطلقت في مواجهة مفتوحة وتحت مسميات :الرغبة في ارساء دعائم الديمقراطية في المغرب ،اصلاح الملكية وووو .
سمو الامير :
ما يمكن أن يعاب على مضمون الكتاب ،هو أنه في حديثه عن الملكية ،وضع جانبا المنجزات وما تحقق في المغرب منذ عهد المغفور له محمد الخامس ،وحتى المساوئ و الانتقادات كانت غير موضوعية ،لأنها انطلقت من أمور ذاتية تتعلق بشخصك وبعلاقاتك العائلية التي لا تلزم أحدا غيرك .
ذاتيتك أسقطتها حتى على حركة 20 فبراير و كان هذه الحركة خرجت من أجلك ،حيث تقول ---في حديثك عن الربيع العربي –(وأخيرا لم أعد لوحدي وأخيرا ملايين من الأناس العاديين خرجوا الى الشوارع يطالبون بما كنت أردده لسنين لأجد نفسي مبعدا كأمير أحمر) ص348
لقد قيل الكثير عن حركة20 فبراير ،لكن الشباب الذين خرجوا الى الشوارع ثم اختراقهم من قبل تنظيمات لا تبحث عن الاصلاح بل تصفية حسابات سياسية وايديولوجية ،لقد حاول العديدون الركوب على هذه الحركة لمارب غير الاصلاح و الكرامة ومحاربة الفساد ،في اطار مغرب مستقر وملكية مواطنة .
ولم تخرج سموك عن هذا الاطار لقد اعتبرت أن الحركة أنصفتك وكأنها جاءت لتقول أنك كنت على صواب في كل ما تطالب به ،حتى أنك في كتابك رددت الشعارات التي رفعتها الحركة في ص "348ـ349 (فين هما فلوس الشعب ،المخزن اللي سرقهوم ،المخزن ارحل ،اولادكوم قريتوهوم واولاد الشعب جوعتوهوم)
لقد خلتك للحظة عندما قرات هذه الشعارات تجوب الى جانب شباب الحركة شوارغ الرباط ،حاملا اللافتات المطالبة بالعيش الكريم و الشغل والسكن ووووو،
غير أنك أيها الأمير ان قرأت الشعارات في عمقها فهي تستهدفك حتى أنت ،انها تدينك وتخاطبك أنت كذلك ،فعن أي شعارات تتحدث و أنت في 380 صفحة تتباهى بدراستك في برينستون وبشبكة علاقاتك العابرة للقارات ،وبدعم أمراء وبثروات ومبالغ خيالية ،لايعرفها من خرجوا في 20 فبراير من الشباب المقهور الذي يحلم على أبعد حدود بأجر شهري وبيت و أسرة وعيش كريم
تطالب الملكية بالتنازل عن ممتلكاتها لضمها للثروة الوطنية وفي نفس الوقت لم تتخل عن ميراثك من والدك وتدافع باستماتة عنه وان كلفك الامر رفع دعوى قضائية ضد أختك .
لماذا لم تعط المثال وتبدأ بنفسك ؟لماذا على طول صفحات كتابك تريد أن تمارس الفعل السياسي وتطالب بالتغيير وحتى باسقاط الملكية ان لم تعد صالحة واستوفت أغراضها ؟وتتمسك في نفس الوقت بصفتك الاميرية ؟
سمو الامير
لقد اضحت شعارات الديمقراطية و الحرية و المساواة مجرد علامات تجارية في عالم (الماركوتيتغ السياسي)،ومن هذا المنطلق كيف تكون ديمقراطيا وانت تعتبر من صوتوا لصالح الدستور الجديد بنعم وانا منهم مجرد قطيع انتخابي ؟ لمااذا بالنسبة لك من خرجوا في حركة 20 فبراير هم رسل الشارع في حين أن من صوتوا لصالح الدستور الجديد مجرد قطيع ؟ص349
زد على ذلك أنك وصفت الشباب الذين عبروا عن رأيهم في الحركة بالبلطجة،و هدا التصنيف يحيل الى اتك تعتبر أن من سار على دربك مواطنون ديمقراطيون ،وكل من خالف هذا الاطار بلطجي ومن القطيع ،انطلاقا من هذا التصنيف فالغالبية العظمى من المغاربة هم قطيع ومتامرون على القوى الحية الديمقراطية .
سمو الامير
خلاصة القول كتابك الذي راهنت على أنه كان سيفتح نقاشا غير مسبوق حول مستقبل الملكية ،جاء فارغا من أي مشروع واضح المعالم ،وبنى أحكامه و انتقاداته على أمور شخصية و علاقات عائلية يعلم كل عاقل ، على أنها تخضع في مواقف عدة للعاطفة ولمزاجية الاشخاص ،فما بين مواقفك المتذبذةو المنتاقضة في أحايين عديدة ، ومابين نظرتك وتصورك لمستقبل الملكية ( تسقط ،لا تبقى ،يعاد تأسيسها لا تستبدل بجمهورية ،لا يسقط المخرن وتبقى الملكية ، لست جمهوري و لكن قد اقبل العيش في جمهورية )ضاع غدا المغرب العنوان الثاني لكتابك غير المنبود لأمير منبوذ .
لهذا سمو الأمير اقول لك لقد أخلفت موعدك مع التاريخ .
صحافية مغربية مقيمة في فرنسا*