للكاتب الدكتور حاتم السكتاني.
أن يطلق شخص على نفسه لقب لوݒرانس باني أو أن يكون "مول لاباني" فهذا لا يهم المغربي البسيط في شيء لأن للمغاربة أولويات في الحياة وثوابت لا يحيدون عنها ولهم ثالوث مقدس يتلخص في ثلاث كلمات : الله، الوطن، الملك أي أنهم لا يعترفون بغير الله ربا ولا بغير المغرب الموحد الممتد من طنجة إلى الݣـويرة وطنا ولا بغير الملك محمد السادس ملكا.
لقد كانت للأمير مشاكل اعتبرناها مشاكل عائلية فلم نعط لنفسنا الحق في التدخل ولا في توجيه النقد وكان أملنا أن تنصلح الأمور وتعود المياه إلى مجاريها لكن مع مرور الوقت تبين لنا أن الأمور تسير في منحى تصعيدي وأنها تجاوزت نطاق العائلة لتهدد مصير أمة بأكملها وتهدد كينونتها عبر خرجات إعلامية مبرمجة وموجهة ضد رموز المملكة بدأًً بجلالة المغفور له الحسن الثاني رحمه الله، إلى وارث سره ملكنا المفدى، مرورًا بمؤسسة المخزن العتيدة.
وحتى الآن لا زلنا لا ندري إن كان الأمير يعي بمسألة خطيرة للغاية يوظفها الغرب لتركيع الأنظمة وضمان ولائها عبر دعم وتأسيس معارضة بالخارج ومدها بالوسائل اللوجيستيكية والنوافذ الإعلامية للتواصل مع معارضي الداخل. والتجارب أثبتت أن من بين المعارضين أشخاص يدركون الغاية من هذا التوظيف بل ويأخذون مكافأة على ذلك، ومنهم من يندفع بحسن نية ظنا منه أنه رمز من رموز الإصلاح وأنه الفارس الذي ينتظره الجميع بل إنه البطل المخلص، وللأمانة العلمية فالأمير لا من هؤلاء ولا من أولئك، فقط وبالصدفة وجد كل القوى الاستعمارية القديمة تحاول اقتناص الوضعية التي يوجد فيها ومحاولة استثمارها للنيل من سمعة المغرب فكان لها ذلك، خصوصا وأن الشخص المعارض من العيار الثقيل ويسعى بدوره لأن يصفي حسابات قديمة مع القدر ومع المخزن. وشاءت الظروف أن نواجه على مضض هذه الوضعية نحن تلك الزمرة المثقفة التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها في مثل هذه الظروف.
الواقع، أنا لست سعيدا بكتابة هذه السطور بل وترددت أكثر من مرة قبل الإقدام على كتابتها مخافة أن تفسر على أنها محاولة "للعب العشرة"، لكنني وضعت أمام مسؤوليتي كمواطن من نتاج جامعات مغربية مائة بالمائة غير منبهر بالأسماء الرنانة للجامعات الأمريكية.
لقد وجدت أن توقيت خرجة الأمير الإعلامية ونشر كتابه طرح أكثر من تساؤل متعلق باختيار العنوان الذي يشير فيه على أنه منبوذ. لم ينبذه أحد على حد علمنا وحدسنا كمغاربة كما أن توقيت نشره في شهر أبريل بالذات كان له وقع سلبي علينا كشعب يضع خلافاته في هذا الشهر المتقلب حتى يركز على ما سيتداوله مجلس الأمن بخصوص قضيتنا الأولى وكل شنآن أو قلقلة يكون فرصة سانحة للأعداء لتوجيه طعناتهم الغادرة، كما أن تاريخ التاسع من أبريل يجب أن تترك له رمزيته الوحيدة عند المغاربة لأنه يذكر بخطاب المغفور له جلالة الملك محمد الخامس بمدينة طنجة. خطاب بعثر أوراق المستعمر الذي سعى بعد ذلك إلى نفي السلطان وعائلته ومحاولة فرض ابن عمه ابن عرفة سلطانا على المغاربة الذين انتفضوا وكتبوا بمداد من ذهب ومن دم الأبرار ملحمة الملك والشعب.
وحتى أختصر بعض السطور ليعلم كل العالم أن المغاربة لايرتضون غير محمد السادس ملكا لأن حكم المغاربة لايأتي بالتمني ولا بالحلم ولا حتى بالسفسطة، إنما عبر طريق لا محيد عنه هو البيعة الشرعية والعقد الاجتماعي الذي يوحد جميع أطياف المغاربة، وكل محاولة يائسة ستواجه بنفس حماس وعزيمة أجدادنا يوم 20 غشت 1953.
قلها و"شلل بها فمك : جعل الله البركة في المخزن"، فهذه المؤسسة العتيقة تقف في حلق كل من فشل في إثبات ذاته داخل هذا الوطن فيسعى لتعليق فشله الذريع على شماعة ضرورة زوال الآلة المخزنية رغم علمه بأنها شخص معنوي واجهت به الدولة المغربية عهود السيبة واستخلصت الضرائب من مستحقيها لبناء الحضارة المغربية وتأسيس نظام منسجم وثابت ومستدام ضمن للدولة بقاءها منذ عهد السعديين إلى يومنا هذا، حتى إن المستعمر الفرنسي والإسباني لم يجد بدا من الاعتراف بها كرقم صعب في معادلة حكم المغاربة الذين احتفظوا بالسيادة حتى وإن كانت محدودة في بعض الفترات إلى أن رجع المغفور له السلطان محمد الخامس من منفاه بمعية رفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني مبدع المسيرة الخضراء وأب المغاربة من جيلي وكافل أبناء الأمير مولاي عبد الله تغمده الله بواسع رحمته.
كل المغاربة وقفوا على خصال الملك الحسن الثاني الذي نزل أبناء أخيه منزلة أبنائه فكانوا على الدوام بصحبته في الخطابات المتلفزة والمناسبات الدينية والسياسية إلى أن توفي في الثالث والعشرين من يوليوز سنة 1999 وبويع الملك محمد السادس في نفس اليوم، وكان الأمير من بين المبايعين إلا أنه اختار الرحيل سنوات بعد ذلك. سنوات عرف فيها المغرب طفرة نوعية في مجال الحريات والدمقرطة والإقلاع الاقتصادي فازداد تعلق المغاربة بملكهم، بل وحتى الأفارقة لأن طريقة حكمه لم تبن على الإكراه أو القوة بل بنيت على المحبة وإعطاء القدوة.
هكذا حالنا نحن المغاربة، شعب ذكي وشعب يعترف بالجميل، لاينتظر وعظا ولانصحا ولا حتى محاضرات من أحد، خصوصا عندما تأتي هذه الدروس بلغة غير لغة المغاربة عبر قنوات أجنبية يعلم كل المغاربة من يقف وراءها ولأي أطروحات تروج. لقد اعتاد المغاربة في عز دروة الخصومة أن لا يقحموا الأجانب في شؤونهم وكانت الأفضلية لمعالجة المشاكل حول صينية الشاي، كما أنهم تعودوا المصارحة والمكاشفة في النوايا حتى وإن كانت مؤلمة لأن "الراقص لا يخفي لحيته"...
لنقم جميعا بجولة في الشارع المغربي ولنسأل التاجر والحرفي والصانع وربة البيت والعاطل والطفل عن "لوݒرانس باني"، سيشيرون حتما بسباباتهم نحو بائع المثلجات المعروف ب"مول لاباني". لأن النخبة التي تعيش في برجها العاجي تظن أنهم لا يحسنون السمع بيد أن النخبة ذاتها هي التي من لا يحسن النطق. هذه تماما هي حالة كل من تصور أنه بإمكانه حكم المغرب والمغاربة، ولكي يكون كذلك وجب عليه أن يكون منتوج رحم مغربية ورضاعة مغربية وكتاب ومدرسة مغربيين فيعيش مع "أولاد الشعب" ويحس ب"أولاد الشعب" ويسعى لإرضاء وإسعاد الشعب. هذه الخصال لا تتوفر إلا في صاحب الجلالة الملك محمد السادس "ولد الشعب" وملك الفقراء والأغنياء على السواء. أما الرقم الذي يطلبه أعداء المغرب فهو غير مشغل حاليا ولن يشغل لاحقا... !
وفي الأخير يبقى أنني لامست عند تصريحات الأمير لدى قناة فرانس 24 حرصه على مناداة الملك بلقب صاحب الجلالة مما يبقي الأمل لدي ولدى جميع المغاربة أن يغير في يوم ما عنوانه "الأمير المنبوذ" ب"الأمير الموجود" : موجود إلى جانب ابن عمه وأخيه الملك محمد السادس، موجود إلى جانب قضايا المغرب والمغاربة لأنه الآن في الواقع "أمير مفقود" : فقدناه وافتقدناه لأن الإمارة ليست لقبا بقدر ما هي مسؤولية تفرض على صاحبها أن يكون سفير قضايانا العادلة والمصيرية.