نالت زيارة جلالة الملك محمد السادس لمدينة الداخلة اهتماما خاصا سواء من قبل وسائل الإعلام العالمية أو من قبل المحللين السياسيين والمهتمين بالجيوبوليتيك بل وصناعه أيضا. ونادرا ما تنال الزيارات مثل هاته كل هذا الاهتمام، ومما زاد من حرارتها تزامنها مع تصويت مجلس الأمن على قرار التمديد لبعثة المينورسو لفترة جديدة تمتد سنة. فالصحراء لم تعد مجالا للمساومة والابتزاز، ولكن أصبحت مجالا للفعل المادي والواقعي، فقد تحولت من رمال إلى مجال واسع للبنيات التحتية ومجالا مفتوحا للاستثمار والمشاريع، إذ لابد من أن تأخذ حصتها مثلها مثل باقي المدن والمناطق المغربية، وخير دليل على هذا الاهتمام هو التقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول تنمية الأقاليم الصحراوية. زيارة جلالة الملك، عادية وتأتي في ظرف غير عادي، رسالة إلى من يهمه أمر الصحراء من صناع الجيوستراتيجية في العالم. فسواء صوت مجلس الأمن أو لم يصوت على قرار التمديد للمينورسو فإن المغرب لن يخضع لأي شرط ابتزازي، من قبيل ما تضمنه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، وهو احتيال مجاني على مشروع القرار الأمريكي حول توسيع صلاحيات المينورسو والذي تصدى له المغرب بفضل الديبلوماسية الملكية التي أخرجت أوراقها في اللحظة والحين وأظهرت أن المغرب منخرط في منظومة القانون الدولي لكنه ليس اللاعب الاحتياطي وبالتالي فهو سيد قراره. وجود جلالة الملك في عمق الصحراء في هذا الظرف بالذات هو بالإضافة إلى ما سيتم إنجازه من مشاريع فهو وجود رمزي وتاريخي، أي أن هذا الوجود يقول للعالم إن مغربية هذه المنطقة ليست محل نقاش، وأن الحل السلمي، وأرقى مقترحاته الحكم الذاتي، هو نقاش في التفاصيل. في تفاصيل الإدارة الترابية والتسيير والتدبير والتمثيلية. وجود جلالة الملك في هذه اللحظة بالذات في مدينة الداخلة، وجود تاريخي يحدد مصير ومستقبل المنطقة، أي أن المغرب ليس مستعدا للنقاش حول جوهر الموضوع أي مغربية الصحراء، ولكنه مستعد للنقاش حول خصوصيات هذه الأقاليم ومشروع الحكم الذاتي جواب عنها، وهو بالنتيجة مشروع يمكن تطويره في أي اتجاه يضمن سيادة المغرب. واستفادت المنطقة من مجهود استثماري مهم قادته السلطات العمومية لتمكين هذا الجزء من التراب الوطني من التجهيزات والبنيات التحتية الضرورية التي سيستفيد منها السكان المحليون الذين تحسنت الخدمات المقدمة لهم مع مرور السنوات سواء في مجال الأمن أو الخدمات الاجتماعية الأساسية أو مستوى معيشتهم. وبفضل هذا المجهود تبوأت الأقاليم الجنوبية بسرعة مكانتها من بين جهات المملكة الأكثر تجهيزا حيث أضحت تتوفر على بنيات تحتية متطورة ومؤشرات اجتماعية ومعدل ناتج داخلي خام جهوي تفوق المتوسط الوطني كثمرة لمجهود متواصل قامت به السلطات العمومية. فهذه هي رسالة المغرب التاريخية. لا مجال للانتظار أكثر. فالصحراء في حاجة إلى التنمية، وسكان الصحراء لن ينتظروا تقريرا كي يعيشوا حياة كريمة.