انتظرتُ، بشغف كبير، كتاب الأمير. ينبغي القول بأننا لا نعيش كل يوم حدثا مثل هذا: أمير من الأُسرة الحاكمة يكتب كتابا ويسميه بعنوان جد مثير «يوميات أمير منبوذ». منّيتُ النفس بأشياء عديدة، وقلتُ: «هذا كتاب سنقرأ فيه أمورا لم نقرأها أبدا من قبل». اتصلتُ بأصدقائي هنا وهناك. كلهم قالوا لي: «سهل جدا تدبر أمر نسخ من الكتاب، ونحن نعرف أن المغرب لن يمانع في إدخالها عبر جماركه إلى ترابه الوطني». انتظرتُ الأربعاء الحاسم وقلت: «هذا يوم للقراءة والتأمل ولكثير الاستفادة من خبرات الأمير ومن تجاربه الحياتية العديدة، ومن علاقاته ومن كل ما راكمه من أشياء». يوم الأربعاء الفارط، وصلني الكتاب. لنقل إنه وصلني عبر أجزاء، أو لنقل إنه وصلني عبر لعبة تجميع قمتُ بها. نوع من «البوزل» الضروري لكي تطلع، قبل الآخرين، على ما يريد الأمير قوله. وينبغي، أيضا، القول إن الأمير خيّب أملي، وأنها آخر مرة أنتظر كتابا يصدره لكي أقرأ ما فيه لا شيء. نعم لا شيء. كتاب من النوع العادي جدا، بل من النوع الممتلئ بحكايات «كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك أمير يريد أن يتخلص من وصف الأمير؛ لكنه لم يستطع، فاختلق لنفسه الحكايات والخرافات، وفي لغة المغاربة الحجايات ومضى يروي كل مرة شيئا جديدا والسلام». في سنوات أخرى، من ثمانينيات القرن الماضي، كنتُ صغيرا في مكناس، تلقت والدتي، وكانت عضوا في حزب الاستقلال، اتصالا هاتفيا من الراحل عبد الكريم الفلوس أخبرها فيه بأن الأمير مولاي عبد الله قد التحق برحمة ربه. أتذكر أن حزنا عميقا ساد المنزل ذلك المساء، والوالدة تستعد للذهاب إلى الرباط للمشاركة في التشييع. لا أعرف الأمير مولاي عبد الله، ولا أعرف إلا أن الحزن الذي شعرت به ذلك اليوم وأنا أرى حزن الوالدين معا - الوالد وهو في رحمة الله اليوم، والوالدة ودعوات العناية الربانية تحفها- امتد إلي، فأحسسته وكفى. رأيت في التلفزيون، ولقطات الصغر عادة لا تنمحي من الذاكرة، الملك الحسن الثاني، بكل قوته وعظمته، يبكي على نعش أخيه. التقطت الصورة ولم تبارح ذهني أبدا. عرفت، يومها، أنه كان يحب أخاه أكثر من الوصف، وأن كل ما كان يقال هو أحاديث للتزجية دون معنى، ولا سند لها على أرض الواقع. حزنت كثيرا، ولم أنس الأمر أبدا. أحسست بحزن مماثل وأنا أقرأ في كتاب ابن الأمير مولاي عبد الله الولد، وهو يقول عن أبيه إنه «كان يشرب الويسكي، وإن هذا هو سبب وفاته». لا أدري لماذا؛ لكنني قلت لنفسي: «حشومة». من يلدوننا يتركوننا صدقة جارية بعدهم، ندعو لهم ونقول عنهم كلاما طيبا أو نصمت. هم لم ينجبونا لكي نكتب في الكتب، بعد كل هاته السنوات، سبهم بهذا الشكل المقيت. أنا من مدرسة قديمة؟ ربما، بل أكيد. أنا من مدرسة تقدر الأصل الأول للحياة، وتعتبر الوالدين معا من مقدسات الحياة التي أوصانا الإله برعايتها في المحكم العزيز. لذلك، رثيت مولاي عبد الله وهو يتقلب في قبره، بعد سماع ما سيكتبه ابنه عنه. ورثيت مولاي هشام، ذلك الذي يعتقد أن السعي نحو المنصب الكبير يسمح له بقتل كل الأشياء الجميلة في طريقه، والمساس بوالده ووالدته حتى، وعدم مراعاة أي شيء. نعم هو أمير، وأنا مجرد مواطن عادي، أقرأ له وأمضي؛ لكن يحق لي أن أقول له حين أحسه وقد مس بوالديه إن الأمر لا يندرج في إطار أخلاق المغاربة، وإنه من العيب فعلا الإساءة للجميع من أجل خلاص فردي لن يتحقق أبدا. اتصلت بكل أصدقائي الذين طلبت منهم نسخة لكتاب الأمير. قلت لهم: «لا أريدها»، وطلبت منهم طلبا خاصا للغاية: «رجاء، لا تخبروني، من اليوم فصاعدا، بأي شيء يفعله الرجل أو يكتبه. لقد اكتفيت فعلا، وفهمت كل شيء».
المختاري لغزيوي.