يا له من «نقاش عميق» يمتح من قاموس ما تحت الحزام ذاك الذي يدور على صفحات الجرائد بين جماعة العدل والإحسان والأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
في لحظة من لحظات الطيش يختار ابن كيران هجوما مباغثا دون سياق يدعو إلي ذلك أو أسبابا للنزول تستدعي منه تصريحا بدا كرصاصة طائشة جاء الرد عليها أكثر رعونة.
أمام مريديه الحزبيين في بوزنيقة، وصف ابن كيران موقف الجماعة الرافض للمشاركة السياسية بأنه تهديد لها بـ«العنوسة السياسية»، ولأنها غارة لفظية عنيفة على جماعة تعيش حالة استنفار دائم، كانت صواريخ رد العدوان جاهزة، وتبادلت الجماعة مع ابن كيران إطلاق نفس النيران، مقابل «العنوسة السياسية»، تتوعد الجماعة حزب العدالة والتنمية بأن ينتهي بها خيار المشاركة السياسية إلى «العهر السياسي». وبين «العنوسة السياسية» و«العهر السياسي» سيحتاج علم السياسة كثيرا من الوقت كي يهضم هذه المفاهيم الفريدة في عمقها الذي لا يصلح لشيء سوى لفضح حالة كبت ما يعيشها الطرفان.
وكأني بابن كيران مغتاط من ضعف خصومه التقليديين، ربما أن عنفه اللفظي لم يعد يحقق له الإشباع بالتهجم على المعارضة والصحافة والنقابات، وقد تكون المسيرة العمالية الباهتة، والاحتجاج النسائي غير المؤثر، وترهل المعارضة قد اجتمعت لتدق في ذهنه ناقوس الخطر: «إياك يا عبد الإله، ستبقى من دون خصوم أقوياء، ولن تجد مع من تتقاسم السب والشتم»، ولذلك اختار أن يضع يديه في عش دبابير اسمه العدل والإحسان.
وبينما كنا نعتقد أن أسماعنا قد ارتاحت قليلا من الانشاء السياسي العدمي للجماعة، ها هو ابن كيران يقترف في حقنا جرم إحياء خطاب شديد السطحية واليقينية الجاهلة، فنسمع من جديد عن «الشعب» الذي تنصب الجماعة نفسها وصيا عليه وناطقة باسمه، وعن «الديمقراطية» المفترى عليها في أدبيات الجماعة وسلوكها السياسي، ونعود مجددا إلى تلك اللعبة الملتبسة التي يستحيل معها تحديد سقف لمطالب الجماعة غير سقف إسقاط النظام الذي ما تزال الجماعة تحلم بتحقيقه في مجالس الذكر، بعدما عجزت عنه في أزقة وشوارع «الخريف العربي».
وفي ختم الحكاية، يريد ابن كيران أن يدخل تنظيما غير ديمقراطي إلى معترك المشاركة السياسية، وتريد العدل والإحسان أن تخرج ابن كيران من اللعبة السياسية إلي جهاد القومة المؤدية إلى دولة الخلافة، نتأمل ذلك، نقلب أوراقه وتفاصيله ونحن نستعين على الفهم بنظريات «العنوسة السياسية» و«العهر السياسي» في انتظار تبلور نظرية «خوذنجال الديمقراطي» الذي قد يكثف من التلاقح بين أنثوية الجماعة وذكورة الحزب، لنقول بمرارة هذه القذارات أنها الديمقراطية وقد ابتليت من الله بحمقى الله.