في منتصف القرن التاسع عشر أصدر الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي روايته الجريمة والعقاب، وهي خلاصة معاشرته للسجناء بعد أن أمضى فترة بعد اعتقاله بتهم سياسية، وصور فيها العوامل النفسية والسوسيواقتصادية للجريمة من خلال بطل الرواية الطالب الجامعي الذي أقدم على قتل عجوز وابنتها. ونحن اليوم في حاجة إلى دوستويفسكي مغربي يكتب رواية "الجريمة والرشوة" ليحدد العوامل الأخرى المساعدة على الجريمة وانتشارها. لا يمكن لأحد أن ينفي أن الجريمة موجودة على طول التاريخ البشري منذ أن قتل قابيل شقيه هابيل وهما إبنا آدم وحواء، وهي أول جريمة في تاريخ البشرية وتمت باسم الدين. وفي مقابل وجود الجريمة وُجدت الأخلاق الرادعة والقوانين المعاقبة حتى لا تنتشر الجريمة. فالجريمة تبقى منحصرة في أماكن ضيقة إن لم تجد لها بيئة حاضنة، ولم تجد لها من يضمن لها الوجود والإفلات من العقاب. فبغض النظر عن العوامل النفسية والسوسيواقتصادية فإن الجريمة متغلب عليها إذا ما تم ضرب بيئتها الحاضنة وتفكيك قواعد الحماية والرعاية. فإذا تحولت الجريمة من العمل الفردي إلى أن تجد لها بيئة حاضنة تعيش من عائداتها وتجد من يحميها مقابل مبالغ مالية تتحول إلى مافيا. وتتحول إلى جريمة بدون خوف. إذن هناك عنصران أساسيان في انتشار الجريمة على نطاق واسع، والحرب على الجريمة تبدأ من تفكيك هاذين العنصرين وإلا ستبقى الحرب على الجريمة مجرد حرث في الماء، حيث سنتعامل مع الجريمة كظاهرة في حين تبقى جذورها ضاربة أعماقها في التربة الاجتماعية. فالبيئة الحاضنة هي التي توفر فرصة الانتشار على نطاق واسع للجريمة بكافة أشكالها، سواء تعلق الأمر بالسرقات واعتراض سبيل المارة والسلب والنهب أو بيع المخدرات من حشيش ومخدرات صلبة وترويجها بين المواطنين. لكن ما يهمنا في هذه الافتتاحية هو حماة الجريمة والمجرمين وهم أكبر صانعيها. فلولا الحماية التي تقدم لبائعي الحشيش ما صنعوا تلك الامبراطوريات المترامية الأطراف، وتبدأ العملية من تقديم إثاوات لبعض رجال الأمن والدرك من عديمي الضمير، ويتم فتح شباك صغير محمي مقابل مبالغ أسبوعية أو شهرية، وتتطور هذه التجارة وتتوسع كثيرا ويصبح صاحب الشباك إمبراطورا ومشغلا، ويصبح الشغالة بفضل الحماية بلطجية وفتوات وقطاع طرق ولا رقيب على فعلهم. وفي هذا السياق تبقى الحملة الجارية حاليا وسط الإدارة العامة للأمن الوطني وقد تنتقل للدرك الملكي حملة في مكانها لتطهير حماة الوطن من حماة المجرمين وبائعي الحشيش ومروجي القرقوبي وهي كلها أفعال تضر البلاد والعباد. فالجريمة إذن مرتبطة كثيرا بالرشوة، ويوم يتم تطهير الأمن من المرتشين ومنعدمي الضمير سيتم القضاء على الجريمة أو ضربها في معاقلها، والدليل على ذلك قدرة المغرب على مواجهة الجريمة الإرهابية باقتدار وجدارة نالت استحسان المجتمع الدولي، والذي يستطيع محاربة الجريمة الإرهابية قادر على محاربة ما هو أدنى من ذلك إذ لا يوجد أكبر من الجريمة الإرهابية لحد اليوم.
النهار المغربية.