بسم الله الرحمن الرحيم
كنت عازفا عن الخوض مع الخائضين في ملف السجناء "السلفيين" إدراكا مني بعدم جدوى ذلك الخوض غير المجدي. وعلما مني بأن كل شيء في حينه. وأنه من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. وقناعة مني بأن المناخ السياسي قد يجعل الخوض في الأمر يعود سلبا على السجناء أنفسهم... إلى أن وقعت على كلمات مستفزة من "ناشط" طائش، أظنه من قبيلة "السلف" الفايسبوكي، فقررت أن أُجمِل له الرد ومن خلاله لمن على شاكلته ممن يرون في شخصي وفي أمثالي الانبطاح والانتكاسة... بل والردة بالنسبة للغلاة التكفيريين منهم.
فأقول لهذا المدعو رضى بنعثمان وأضرابه: أولا قد حشرتَ أنفك فيما لا يعنيك... وهذه علّة قدْحية في دينك، وقدر رُوِي في الحديث: [من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه] "الترمذي" والمعنى صحيح بالرغم ما قيل في القال من مقال. وأنت لم تترك ما لا يعنيك.
ثانيا حشرتَ أنفك مفتريا وأفّاكا لا مجرد فضولي عابر.
أما وأن الأمر لا يعنيك، فأنا عبد ربه محمد الفزازي لم أوَكّلك من أجل جبر ضرري أو ردِّ اعتباري فيما لحقني من سجن ظالم. وكون الملك شرفني بالصلاة خلفي والاستماع إلى خطبتي... فأنا وحدي من يقدّر قيمة هذا الحدث... لا بل قدّره كذلك جمهور من الصحفيين المغاربة المتميزين وكذا بعض الأجانب من الدبلوماسيين والحقوقيين فضلا عن عشرات المواقع الإلكترونية والإذاعية والتلفزيونية... ناهيك عن الشعب المغربي كله. وهو ما يجعلك خارج السياق السياسي ببلادنا ويُحيلك على التقاعد الفكري المبكّر..
أما من حيث أنت مزوِّر وأفاك... فأنا لم يجلدني أحد. وهذه حقيقة للتاريخ. وحديثك عن "جلدي" من قبل "الجلادين" كذب وافتراء... وقد أفصحتُ عن هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى من محاكمتي. وأنا لم أر أحدا بعيني يجلد أحدا... لكني سمعت بذلك. سمعت، وما سمعته يبقى خبرا قابلا للتصديق وقابلا للتكذيب... وليس هذا هو الموضوع الآن.
أثَرتَ ضِمن "تغريداتك" حتى لا أقول ضمن نُواحِك على صفحتك في الفايسبوك مسألة جبر الضرر ورد الاعتبار... وأنني تنازلت عن حقي في ذلك بل وحق كل السجناء... ومن ثم أقول: ما هو جبر الضرر ورد الاعتبار في نظرك إن كان لك نظر أصلا؟
هل هو تعويض بأموال؟ أم هو اعتراف بالبراءة؟ أم هو مواساة علنية؟ أم هو اعتذار عن السجن؟ وماذا يساوي كل هذا أمام الحدث الجلل المدوّي؟ فعندما يأتي ملك البلاد، وهو من هو، بشخصه وهيبته مصحوبا بكبراء دولته من عسكريين وسياسيين ومدراء وعلماء وأعوان... إلى مسجدي عينا ويقبل بي خطيبا وإماما على مرأى ومسمع من العالم، وهو يعلم أين كنتُ ومن أكون... فهذا لا يعدله اعتراف بالبراءة ولا اعتذار عن السجن ولا أموال تُدفع... هذا في نظري تزكية زكية ما كان لي إلا أن أقدِّرها... وما كان لأمثالك أن يحلم بها. ف"لا يعرف الفضل لأهل الفضل سوى أولي الفضل" .
إن ما لا تدركه يا رضى بنعثمان... أنّ غيرك من ذوي البصيرة لو استطاعوا أن يدفعوا جزءا من أعمارهم - بَلْهَ أموالهم - ليحظَوْا بمثل ما حظِيت به من تكريم لفعلوا. وأقول أيضا: هل الملك جلاد؟ لا وألف لا. هل هو من سجنني؟ لا وكلا... بل هو من أطلق سراحي.
نعم الملك هو من أطلق سراحي. وتريدني أن أكون لئيما أو سفيها أردّ التحية الحسنة بأخرى سيئة ومخزية؟ من قالها؟
ولقد بلغتَ درجة متقدمة من قلة العقل وأنت في معرض دفاعك عن المسجونين في ملفات ما يسمى "الإرهاب" بأن تستجْديَ قاموس اللغة العنجهية وتصرفات الرّعاع... وإلا، ما معنى أن تسبّ الدولة وتريدها أن تطلق سراح إخوانك؟ ما معنى أن ترفع راية القاعدة في الوقفات وتريد الحرية لإخوانك؟ ما معنى أن تهتف بشعارات الاستعداء؟ ما معنى أن تنشد أناشيد الحرب والنزال؟ ما معنى اتهام الدولة بحق وبباطل؟ ما معنى تمجيد القاعدة ؟ ما معنى الإشادة بالإرهاب؟ ما معنى إبداء السخط تجاه الملك والنظام؟ ما معنى الإصرار على معاداة الأجهزة الأمنية والمؤسسات والأحزاب والمجتمع المدني؟ ما معنى كل ذلك في معرض الدفاع عن المسجونين؟
إن العقلاء يشتغلون على القضية في صمت ويطرقون الأبواب في هدوء. وأنت وأمثالك بتصرفاتكم الطائشة والرّعناء تفسدون كل شيء. فبينما تلوك أنت عباراتك العنترية من وراء الحاسوب يبقى "الإخوان" يعانون مرارة السجن بسببك وبسبب تصرفات أمثالك.
الأمْر الأمَر أن صدى "هايْ هايْ هياتك" تجد بعض الآذان الصاغية داخل السجون فيعلنونها "جهادا" واستماتة وثباتا على ما يتوهمونه الحق فيتوغلون في السجن من حيث يريدون النجاة. بل منهم من يعلن أن الوجهة بعد الفرَج هي جبهات القاعدة في سورية. وربما القتال داخل الوطن. أي أنهم يقولون بلسان الحال [نحن إرهابيون عن اختيار وسبق إصرار وليس لنا مكان في الوطن إلا السجن، فإذا انتهت مدة ما حُوكِمنا به وخرجنا، لكم كل الصلاحيات و "المبررات" في إرجاعنا]
ألا تتقون الله تعالى في أنفسكم أولا؟ ألا تدركون أن الأغلبية من السجناء "الإسلاميين" لا يوافقونكم هرطقاتكم؟ ألا تبصرون أن غالبية "إخوانكم" قد تعبوا من ظلمات الزنازن ويتطلعون إلى الحرية ومعانقة أكبادهم تحت الشمس وليس في زيارات خاطفة تحت عدسات المراقبة وآليات التفتيش؟ ألا ترى أنهم ما فتئوا يعلنون عن ولائهم لملكهم ووطنهم بشتى الأساليب من طلب للعفو ونحوه؟ ألا تدرك أن من تسميهم الجلادين أرحم بإخوانك منك وهم يبحثون بحثا استراتيجيا عميقا من أجل طيّ هذه الصفحة التاريخية الأليمة من تاريخ بلادنا؟ ألا ترى أنك وأمثالك من مُثَبّطات هذا الملف ومُعوِّقاته؟ كن عاقلا - هداك الله - وكفى من الخطاب التصعيدي الأحمق الذي لا يفيد أحدا...
أفِق يارضى بنعثمان...!! فلو كنتُ شخصيا من رافعي وَلاء الجماعات "الجهادية" ولِواء الشعارات العنجهية لما أُفرِج عني أولا ثم عن الشيوخ الآخرين الذين شكلتُ لهم أسوة حسنة عند أصحاب القرار. وسأظل أشتغل في صمت وحكمة مع آخرين غيري... من أجل إطلاق سراح كل الأبرياء، وكل من يُبين عن قطيعة تامة لأفكار الغلوّ والتشدد... لا أريد بذلك إلا وجه الله. وتتحدث عن "الانتكاسة" بدون حياء. لا بل تطالبني بمغادرة طنجة على طريقة "الشماكرية" و "المشرملين" ... ولم أكن أعلم أن طنجة "إمارة" بنعثمانية. قبّح الله الجهل.