مرت سنوات ثلاث منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية ، أو ما اعتقدنا بدءا أنها ثورة قبل أن يتأكد لنا العكس ، قبل أن يتأكد لنا أننا أمام مؤامرة كونية اختلفت أطرافها باختلاف المصالح ولكن الضحية الوحيد هو الشعب السوري الذي اضطر بعضه لمغادرة بلاده التي تحولت إلى جحيم، وصار هذا البعض منتشرا تائها بمجموعة من الأقطار العربية والعالمية .لذلك ما سأقوله بمقالي هذا هو ما روته لي عائلة سورية مكونة من زوجين وابن واحد ، التقيتهم يتسولون أمام أحد المساجد بمدينة فاس .كان حديثي معهم صدمة بالنسبة لي لأن ما سمعته كان مخالفا تماما لكل ما يصدره لنا الإعلام العربي والغربي ، كان ما يقولونه أصدق من كل الأقصوصات القادمة من هنا و هناك لأن الدموع كان تسقي أخاديد الزوجة وهي تحكي لي ما عانوه وما رأوه بتلك البقاع المقدسة .
"ما يحدث هناك لا يمكن أن يكون ثورة ،فالثوار لا يذبحون الرضع، الثوار لا ينحرون الناس باسم الله أكبر ،الثوار لا يأكلون قلوب وكبد البشر بعد تشريح أجسادهم، الثوار لا يلقون الناس بأحواض الماء الحارق لصلقهم،الثوار لا يمنعون الطلاب من دخول الجامعات بحجة أن هذه الجامعات تابعة للنظام..هؤلاء ليسوا ثوارا بل هم شبيحة وبلطجية هدفهم هدم سوريا والقضاء على النظام. النظام هو من استخدم الأسلحة الكيماوية لقتل الآلاف..لم يتركوني أكمل حديثي وقالوا بصوت واحد:"لا لا هذا كذب ومؤامرة إعلام، كل الإعلام العالمي موجه لضرب استقرار سوريا و رئيسها الذي هو صمام الأمن و الأمان.." هكذا حدثوني بلهجتهم السوية التي أفهمها جيدا بفضل "الكواسير" و "العوسج" وغيرها من المسلسلات السورية التي تربينا عليها .
لن أطلب منكم تصديقهم كما صدقتهم، لأن المشهد السوري أكثر عقدية من أن نفهمه من خلال حكاية عابرة أو من خلال صورة إعلام خادعة، ولكن إذا ما نحن أطرنا هذا المشهد داخل سياقه التاريخي الموضوعي ،وبالنظر إلى الأطراف المتدخلة في هذا الصراع سيتضح لنا أنه توجب أن نطلب من بشار الأسد ألا يرحل بل و أن نتوسله بألا يفعل ،لأن في رحيله قد يتعقد المشهد أكثر .وهنا أستحضر قولة للزعيم المصري جمال عبدا لناصر والتي معناها:" إن رأيتم أمريكا عني راضية فاعلموا أني أمشي بالطريق الخطأ". لنكن واقعيين نحن المحايدين، لنتكلم بالمنطق و لنعد إلى صراع الشرق والغرب الكلاسيكي حتى نفهم أن مصالح هذا الغرب و هدفه هو ضرب استقرار المنطقة من خلال إشعال فتيل الطائفية داخل سوريا بعدما تعذر تركيع بشار عن طريق المفاوضات والإغراءات .
واهم من يعتقد أن الأزمة السورية سوف تنتهي بمجرد تخلي الأسد عن منصبه ، بل الأزمة قد تنتهي بعدم رحيله من خلال الجلوس حول طاولة الحوار بشرط أن يكون دور الولايات المتحدة و إسرائيل وفرنسا و روسيا محدودا بهذه المفاوضات.
قد يبدو كلامي كلاسيكيا و بسيطا ، وقد لا يتقبله أغلب المتعاطفين مع الشعب السوري والمخدوعين بكلام وإعلام المعارضة الخارجية لنظام الأسد ، ولكني تعلمت أن الحقيقة توجد حيث توجد البساطة
عبدالسلام المساتي.