ليس في كون المؤمنين بالله صدف، ولكن أقدار تجري بأمره ليتعلم الإنسان وليقرأ العالم كتاب الله المفتوح بعد أن يكونوا قد قرؤوا كتاب الله المنزل، وهي دروس يريد منا الله سبحانه أن نتعلم منها سنن الكون وكيف تجري الأمور. وليس صدفة أن يتم اعتقال علي بلحاج الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية في اليوم نفسه الذي قام محمد الفيزازي، أحد شيوخ السلفية الجهادية، يخطب الجمعة أمام جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين.ليس في الأمر مصادفة ولكنها أقدار الله، ليقول لنا إن ما بين المغرب والجزائر هو ما بين الخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان وفق الرياضيات الأوقليدية، فما بين البلدين لا يمكن المقارنة بينه أو جمعه أو حتى التفكير في القياس عليه، فلا قياس مع وجود الفارق كما يقال، والفارق بين المغرب والجزائر له تجليات على أرض الواقع نراها يوميا، آخرها مشهد اعتقال علي بلحاج بطريقة مهينة وخطبة محمد الفيزازي أمام أمير المؤمنين.ففي سنوات التسعينات فازت جبهة الإنقاذ بالانتخابات البلدية والتشريعية وتم رفض النتيجة من طرف حكام قصر المرادية، ومن يقف خلفهم من الأمن العسكري الجزائري، فقامت قيامة الجزائر ونشبت حرب أهلية أكلت مثلما أكلت حرب تحرير الجزائر، غير أن الأولى كانت ضد المستعمر الفرنسي أما الثانية فهي بين أبناء شعب واحد.
وقتها كان النظام المغربي أو الدولة المغربية منخرطة بكل ثقلها في محاولة لإدماج الإسلاميين في المشهد السياسي وتخفيف غلواء التطرف، وتمكنت من فتح الباب أمام مجموعة من الإسلاميين للعمل السياسي من خلال حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.واليوم بعد أن أصبح الإسلاميون المندمجون في رئاسة الحكومة ما زال نظراؤهم بالجزائر إما مطاردين أو في السجون، وهو الوقت نفسه الذي يعرف العفو عن أربعة من شيوخ السلفية الجهادية. بل أكثر من ذلك وهو ما لا تحتمله الجارة المعادية هو أن يقوم واحد منهم أي محمد الفيزازي بإلقاء خطبة الجمعة الجامعة برئاسة أمير المؤمنين، ولا يفهم معنى خطبة جمعة برئاسة أمير المؤمنين إلا من وطد نفسه على فهم معنى إمارة المؤمنين التي اندمجت بشكل سلس في خيار ديمقراطي، أعطى نموذجا فريدا في الحكم، لا تطغى فيه السياسة على الدين ولا يطغى الدين على السياسة.
وبينما تعيش الجزائر حالة غليان بفعل فرض ترشيح رئاسي لا ينسجم مع الشعب الجزائري وإحداث حالة فوضى، كان الفيزازي يتحدث أمام أمير المؤمنين عن الأمن الديني والأمن الاجتماعي، وهما أساس الاستقرار ولا يمكن ضمانها في بلدان يشكل فيها الدين أساس الهوية إلا بفضل الجمع السلس بين إمارة المؤمنين ورئاسة الدولة.