كل سلوكات الدولة الفرنسية في زمن الاشتراكيين تدل على الحنين للزمن الإمبراطوري. لكن فرنسا عليها أن تستيقظ فالعالم من حولها تحول ولم تعد الدولة الصانعة للجيوبوليتيك بل أصبحت تابعة حد الذيلية، ويمكن الحديث عن جمهورية سادسة بدأت مع الفصل الأخير من حكم جاك شيراك. عكس الدور الأول للانتخابات البلدية الفرنسية رؤية الفرنسيين لسياسة الاشتراكيين في الحكم على المستوى الداخلي والخارجي، وعبرت نتائج الدور الأول، من خلال صعود اليمين المتطرف وانتعاشة اليمين بكل اتجاهاته وبكل قواه، ومن خلال اضمحلال اليسار بكل فصائله، عن أن الفرنسيين تحولوا ضد اليسار وضد سياسة فرنسوا هولاند أساسا. مشكلة فرنسا أن سياستها ترتكز دائما على المغرب بفعل الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية. ففرنسا دولة ارتبطت بعقد حماية مع المغرب كما تربط فرنسا والمغرب علاقات اقتصادية قوية كما تربط البلدين علاقات ثقافية والفرنسية هي اللغة الثانية في المغرب ولغة الإدارة ولغة العلوم والتكوين العالي. وذلك دون إغفال رقم المهاجرين المغاربة في فرنسا الذين يشكلون كتلة ناخبة هامة في هذا البلد. المغرب وللأسف الشديد وعلى امتداد تاريخ الجمهورية الخامسة تميزت علاقته بفرنسا بالمد والجزر وعانينا مع فرنسا كلما صعد للحكم الاشتراكيون، وخير مثال عليها التجربة السيئة الذكر للراحل فرانسوا ميتران وزوجته دانيال ميتران التي كانت تحاربنا باعتبارها السيدة الأولى في قصر الإليزيه وباعتبارها رئيسة لجمعية تخصصت في محاربة المغرب ودعم جبهة البوليساريو. ومع تجربة فرانسوا هولاند الاشتراكي ورغم كل ما قدمه المغرب لصالح فرنسا ولصالح إنجاح تجربته سواء على المستوى الداخلي من خلال توطين الاستثمار الفرنسي بالمغرب ومن خلال المبادلات التجارية التمييزية، أو على المستوى الخارجي عندما وجدت فرنسا نفسها وحيدة متورطة في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل ولم تجد أمامها سوى المغرب الذي دعمها في مالي. ورغم كل ذلك تنكرت فرنسا الاشتراكية للمغرب ولم تعر تضحياته أي قيمة ولم تنظر بعين الاعتبار إلى مجهودات المغرب في محاربة الإرهاب وإحلال السلام ودعم التوازن الجيوسياسي، لكن فرنسا استمرت في خلق المشاكل للمغرب من خلال افتعال أزمات ديبلوماسية من قبيل ضرب الاتفاقيات القضائية عرض الحائط ومحاولة استدعاء مسؤولين مغاربة عن طريق البوليس أو من خلال توقيف وزير الشؤون الخارجية والتعاون وتفتيشه بطريقة مهينة بالمطار، في ضرب صارخ للأعراف والمواثيق الدولية الناظمة للبعثات الديبلوماسية والديبلوماسيين. إن فرنسا الاشتراكية التي واجهت الدور الثاني من الانتخابات البلدية التي تسير نحو صعود ثان لليمين المتطرف واليمين عموما تؤكد أن الفرنسيين تدمروا من حكم الاشتراكيين ومن المشاكل التي خلقها هولاند لفرنسا مع شركائه التقليديين والاستراتيجيين. فالمغرب تربطه مع فرنسا والاتحاد الأوروبي علاقات استراتيجية تمنحه حقوقا يلزم احترامها من قبل فرنسا. وبالتالي يجب على المسؤولين المغاربة التفكير الجدي في مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية، وأن المغرب البلد الصديق لفرنسا والشريك الأول والزبون الأول وكل "الأولات" لم تعد تجدي. يجب أن يصبح المغرب البلد المتعدد الشركاء فهناك ألمانيا التي تركع لها فرنسا وهناك روسيا القوة العظمى الثانية وهناك الصين الإمبراطورية الاقتصادية. فحنين فرنسا للزمن الإمبراطوري والحقبة الاستعمارية لم يعد مستساغا فهي الآن بلد يعيش عالة على الآخرين وعلى حافة الإفلاس ماليا بعد أن بلغت ديونه حوالي 85 في المائة من الناتج الداخلي الخام أي تجاوزت بشكل كبير الخط الأحمر الذي هو 60 في المائة، وبالتالي لا يحق لها أن تعطي الدرس لأحد.
النهار المغربية.