أمام التعنت الذي تبديه الجزائر بخصوص الدعوات المعلنة من قبل المغرب بشان تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية و فتح الحدود البرية المغلقة منذ منتصف التسعينات، طالب أزيد من مائة مثقف عربي بفتح الحدود البرية ما بين المغرب والجزائر "البلدين العربيين المتجاورين، الذين تجمعهما أواصر عديدة مشتركة منذ عهد بعيد".
واستنكر بيان أطلقه شاعران من الجزائر والمغرب، هما بوزيد حرز الله، وعبد الرحيم الخصار، على موقع التواصل الاجتماعي "فايس بوك"، استمرار غلق الحدود البرية بين المغرب والجزائر، حيث كانت قد عمدت الأخيرة إلى إغلاق الحدود من طرف واحد في 26 غشت 1994، ردا على قرار المغرب فرض اجرءات التأشيرة على المواطنين الجزائريين عقب التفجيرات الإرهابية التي استهدفت فندق أطلس آسني بمراكش.
وجاء في البيان "نحن أدباء ومثقفي الوطن العربي، مغربا ومشرقا، نستنكر استمرار إغلاق الحدود بين البلدين الشقيقين، المغرب والجزائر، ونخاطب الذين دبروا في الليل هذا الاعتداء السافر على الجغرافيا، ونسجوا تلك المكيدة الطويلة محاولين تمزيق أواصر الأخوة والتاريخ المشترك".
وأضاف المصدر ذاته "دعوا نهر المحبة والحياة يتدفق حرا عميقا في جسد هذين البلدين، ولا يحق لكم ولأي جهة أن تغلق الحدود على شعبين هما في الأصل شعب واحد".
وحول القيمة المضيفة التي من الممكن أن يضيفها المثقفين لقضية فتح الحدود المغربية الجزائرية يقول السيد سعيد هادف باحث وصحفي جزائري مقيم بمدينة وجدة وأحد الموقعين على البيان، بان ذلك " تعبير على أن هناك قوى ثقافية حية تعمل من اجل تنبيه الأنظمة بحق الإنسان في التنقل و السفر و التواصل بين شعبين، وان الإصرار على إغلاق الحدود البرية لا علاقة بالسياسة بقدر ما هو سلوك معاد لحق الشعوب للتواصل فيما بينها"، مشيرا إلى "أصحاب المبادرة مغاربة و جزائريين يمثلون الجيل الجديد الذي يتطلع إلى زمن مغاربي ديمقراطي " موضحا بان البيان "رسالة إلى النخب السياسية و الفكرية بالجزائر كما بالمغرب التي تقاعست عن الاطلاع بدورها المتمثل في الدعوة إلى فتح الحدود وخلق بدائل كحل للنزاعات التي طال أمدها و عطلت مصالح الشعبين".
و بخصوص قراءته للتعنت الجزائري وإصراره على إبقاء الحدود البرية بين المغرب و الجزائر مغلقة رغم المساعي الرسمية المغربية في هذا الإطار أكد سعيد هادف أن "النظام الجزائري لم يجرم فقط في قضية الحدود فهو منذ سطوه على السلطة و طيلة نصف قرن لم يعمل لمصلحة الشعب الجزائري بل كل قراراته و مواقفه كانت ترمي عزل الشعب الجزائري عن محيطه الإقليمي و العالمي، كما لو انه يعمل لمصلحة جهات أخرى، ولعل موقفه من الثورات العربية وخاصة المجلس الانتقال الليبي خير دليل على ما أقول".
ودعا هادف إلى تعزيز المبادرة بمبادرات أخرى و بدائل لتعميق الوعي بخطورة النظام الجزائري الذي لم يدخر جهدا لعزل الجزائر و الاستفراد بها من جهة، ومن جهة أخرى أن يعمل على نشر الفوضى بكامل المنطقة المغاربية و ذلك بالتحالف طبعا مع شبكات الفساد التي تمارس النفوذ بشكل أو بأخر في كامل الأقطار المغاربية.
و يعلق سعيد هادف أماله على المغرب و قواه الديمقراطية لدعم المبادرات الملكية الرامية إلى تأسيس دولة حديثة، مشيرا إلى انه، لا مناص من محاربة النزعات الفوضوية و الانفصالية و الانعزالية و الإرهابية إلا بالديمقراطية، وان المغرب مؤهل للاطلاع بدور فعال لإنقاذ نفسه و إنقاذ المنطقة المغاربية ككل في حالة إذا ما تبوأت القوى الديمقراطية فيه موقع الصدارة.
و بالرغم من الإغلاق الرسمي للحدود إلا أن التواصل التجاري يتم بشكل يومي ودائم عبر التهريب بشكل كثيف بالمناطق المجاورة للحدود والجهة الشرقية بأكملها، وفي هذا الإطار قدرت غرفة التجارة والصناعة والخدمات بوجدة قيمة المعاملات السنوية لمجموع الجهة الشرقية من مواد التهريب مع الجزائر بالخصوص، بنحو 6 مليار درهم.
يشار أن العلاقات السياسية المغربية الجزائرية مرت بمراحل متعددة من بينها مرحلة التوتر والصدام المباشر التي شهدت ما عرف بحرب الحدود أو الرمال سنة 1963، لتعود العلاقات بين البلدين لتعرف الانفراج بعد معاهدتي افران 1969 وتلمسان 1970، غير أن هذه العلاقات ظلت متأرجحة بين التوتر والمهادنة وقد و صلت إلى مستوى القطيعة التامة في سنة 1975 بسبب تأييد انفصاليي جبهة البوليزاريو إعلاميا وسياسيا وماليا ولوجيستيكيا.
ولم تعد العلاقات السياسية بين البلدين إلا في 16 ماي 1988 حيث تم إلغاء التأشيرة بين البلدين و تم استئناف المواصلات الجوية وفتح الحدود بتاريخ 5 يونيو 1988 وكذا استئناف النقل السككي بتاريخ 1 شتنبر 1988، ثم الاتفاق الخاص بانطلاقة أنبوب الغاز الجزائر – المغرب – أوربا والذي يمر عبر الشمال الشرقي للمغرب بتاريخ 16 غشت 1988 تلاها التصريح باتفاقية " اتحاد المغرب العربي " بتاريخ 17 فبراير 1989، وإلغاء اتفاق تلمسان الخاص بالحدود ( 15 ابريل 1989 ) واستعادة النقل السككي للمسافرين ( 11 فبراير 1989 ) في الخط المغاربي الدار البيضاء تونس عبر وجدة بواسطة قطار المغرب العربي غير أن هذه الفترة لم تدم طويلا لتغلق الحدود مرة أخرى سنة 1994 في وجه تنقل الأشخاص والبضائع عبر البر وتفرض التأشيرة.