المختاري لغزيوي
أمير أبريل
حسنا فعل الأمير مولاي هشام حين اختار شهر أبريل لإصدار كتابه. أبريل شهر خاص من نوعه، يبدأ بسمكة تنزلق من بين الأيدي وتتزحلق بسبب ملمسها الناعم وزعانفها التي تمكنها من السباحة في كل الاتجاهات. أبريل شهر الكذب، والكذب عند المغاربة أنواع؛ فهو يبدأ بما نسمّيه، في دارجنا البليغ، «الوشة» أي الكذبة الصغيرة، ويعبر إلى «السلوقية» وهي في مرتبة الوسط من الاختراع الكلامي المسمى «الزفوط»، ثم يصل إلى «القنبولة» وهي أشد أنواع الكذب فتكا بالعباد، فلا أمل يرجى بعد فرقعتها، ولا حل معها سوى الاستغفار منها لقائلها عند ربه. الأمير، من جهته، لم يختر، بالتأكيد، أبريل اعتباطا. هو إنسان يعيش في أمريكا، حتى أسموه الأمير الأمريكي. وفي «الستيتس» أي الولايات التابعة لعمو سام، يعلمونك أول ما يعلمونك ألا مكان للمجانية في أي شيء، وأن كل مسألة يجب أن تكون مدروسة ومحسوبة العواقب، ولديها ارتباط بالزمان يعني شيئا. ومن ثمّ، اختار «الريد برينس» (مع أن العبارة بالإنجليزية تعني نوعا من التفاح الجيد، لا ما يراد بها في المأثور الصحافي لدينا) أو الأمير الأحمر شهر أبريل والكذبة الفاتحة له لكي يصدر كتابا يقول فيه من العنوان إنه «منبوذ». الكذب مرضٌ نفسيٌّ. وفي علم النفس دائماً، يفسر شعور الفرد بأنه منبوذ بسلبية الفرد ذاته. ومن هنا، يقولون في الدروس الأولى لعلم النفس إن الإنسان السلبي في تفكيره هو الذي يردد عبارات من قبيل: لا أحد يحبني/ أشعر بأنني منبوذ من أسرتي/ لا جدوى من حياتي/ أنا إنسان ضعيف الإرادة، ولن أصل أبداً إلى ما أطمح إليه./ لا يوجد من يفهمني/ أرى المستقبل قاتما… بدأنا من شهر الكذب، وانتهينا عند علم النفس والنبذ والسلبية. شيء ما ليس على ما يرام في هاته الخلطة، ترى ما هو؟ لا جواب إلا عند علماء النفس الكبار والمتخصصين. أما نحن، فمجرد صحافيين، «كوازطية» نكتب ما نراه ونمضي، وفي شؤون السياسة الكبرى مثل هاته لا نفقه الكثير. ومن ثَمَّ، لا مجال لأيّ استفاضة. قطعا، لا مجال...
سحب البساط
حسنا إذن، علينا أن نغضب جميعا؛ لأن المغرب سيسرّع وتيرة التعامل مع الشكايات الخاصة بانتهاك حقوق الإنسان في صحرائه. لماذا يجب أن نغضب؟ لأن الأمر يعني أن المغرب سيتعامل مع حقوق الإنسان برؤية مزدوجة؛ شقٌّ أول منها سيحترم حقوق الإنسان في الصحراء، وشق ثان منها لن يحترم هاته الحقوق في بقية المناطق المغربية. كلام أحمق؟ ربما؛ لكنه السائد اليوم، ويجب التعامل معه بل ومناقشته أيضا لأنه يروج، ولأنه يصادف الهوى في نفوس من يبحثون باستمرار عن شيء ما يقولونه من أجل التذكير بوجودهم. في النهاية، من الجيد الإنصات لهاته الأصوات وأصحابها أناس من الصحراء جعلوا من القضية حصان طروادتهم دوما، يمتطونه لكي يخبروا البلد المرة بعد الأخرى أنه من الضروري أن يبقوا هم- وهم وحدهم- المتكلمين باسم ما يجري هناك. وبالتحديد لأجل هؤلاء، ولإفهام هؤلاء أن هناك بلدا أكبر منا جميعا، من الضروري التنويه بالقرار الحقوقي الأخير، ومن اللازم التنصيص على ضرورة تفعيله وجعله واقعا، وربط احترام حقوق الإنسان بالجغرافيا المغربية كلها، والهمس بل ربما الصراخ في آذان الباحثين عن مواطئ الأقدام باستمرار أن التركيز على مدن الصحراء في الحديث الرسمي يراد منه فقط الرد على من لا يصرخون لانتهاك حقوق الإنسان إلا إذا تم في الصحراء؛ لكأن بقية المغاربة لا يعنونهم، ربما لأنهم ليسوا مربحين إعلاميا وتجاريا وسياسيا مثل الرسم التجاري الآخر الذي يلعبون به منذ القديم. سحب البساط من تحت القدم، هكذا يسمون الأمر. ومن ثَمَّ، وجب التنويه، الأمس واليوم وفي كل الأيام. انتهى.
أنقذوا الحمير
ما وقع، يوم السبت الفارط، في الحدود المغربية الجزائرية أمرٌ لا ينبغي السكوت عنه. مجزرةٌ حقيقيةٌ راح ضحيتها اثنا عشر حمارا (ذكرا حسب آخر الأنباء، ولا وجود لأتان أي لحمارة بينها)؛ وذلك على يد مغاوير وشجعان الجيش الجزائري الصنديد. ما هو هذا الجيش الذي يغتال الحمير؟ ستسألون، الرد واضح وجاهز؛ وإن كانت جيوش العالم قد استغربت عدم صدور بيان من الجيش الجمهوري الجزائري عن الموقعة، يقدم تفاصيلها، ويرصد بطولاتها، ويعلنها عيدا رسميا ينضاف إلى عيد 5 جويلية وغيره من أعياد الجمهورية. الرد يقول إن جيش الجمهورية الجزائرية أخذته العزة، وسمت أنفه النخوة، والإخوة هناك معروفون بـ«النيف» لديهم؛ فأطلق النار على حمير جزائرية تهرب البنزين إلى داخل المغرب. الحصيلة تتحدث عن اثني عشر حمارا وعن صفر مصاب أو قتيل في صفوف جيش الجزائر؛ وهو ما يستوجب التنويه بهاته القدرات القتالية النادرة، والشد على يد كل رقيب ومجتهد وجنرال في الجيش شارك في معركة الحمير الخالدة هاته أيضاً.. لا بد من أن تنعكس هاته المهارات القتالية النادرة على ترتيب الجيش الجزائري بين الجيوش العربية، وأن يتقدم مرتبة أو مرتبتين على أقرانه ونظرائه في بقية الجيوش. أيها الشهداء المليونيون، يا شعب الجزائر العظيمة، يا سلالة الأوراس، ويا أيتها الشامخات الساحقات، عذراً؛ لكن جيش بلدكم أصبح متخصصا في قتل الحمير. عذرا أيتها البيضاء الناصعة، التي كانوا يسمّونها الجزائر؛ فغباء من نوع قاتل أصبح متحكما فيك من كل مكان، ولا أمل في أيّ شفاء.