خلف صور الربورتاجات التي كنا نشاهدها في القنوات الرسمية وبين سطور قصاصات وكالة المغرب العربي للأنباء، كانت هناك كواليس كثيرة تحيط بزيارة الملك إلى عدد من الدول الإفريقية. «بمجرد وصولنا إلى مالي، المحطة الأولى للزيارة الإفريقية، فَهِمْنا أن الأمر لا يتعلق برحلة سياحية أو مجرد زيارة مجاملة لدول إفريقية نبحث منها تحقيق نقاط إيجابية في قضية الصحراء»، يحكي رئيس مؤسسة اقتصادية كبرى كان ضمن الوفد الذي رافق الملك في الزيارة الأخيرة إلى دول مالي والغابون وغينيا وساحل العاج. كان واضحا أن الأمر يتعلق بإستراتيجية واضحة المعالم للاشتغال مع عدد من الدول الإفريقية وفقا لشراكات مربحة للمغرب ولهذه الدول؛ لأن واضعي إستراتيجية إحياء العلاقات مع إفريقيا فطنوا إلى أن النظرة الاستعلائية أو الاستعمارية لا تنتج شراكات دائمة وعلاقات ممتدة. وكان نموذج علاقات فرنسا مع الدول الإفريقية خير دليل على فشل هذه المقاربة. على الأرض ماذا وجدتم؟، «الأبناك المغربية قامت، طيلة السنوات الأخيرة، بعمل جبار؛ فحصة الأبناك المغربية من السوق في الدول التي همتها زيارة الملك تتراوح ما بين 30 و40 في المائة، فيما حضور المغرب غير مكثف في القطاعات الأخرى»، يجيب المصدر، الذي فضّل أن تكون المحادثة خارج التسجيل (في الأوف). ويضيف: «على عكس ما يعتقده كثيرون، فإن الحضور الفرنسي في هذه الدول يهم الشأن الأمني فقط، ولا توجد لفرنسا استثمارات قوية هناك إذا استثنينا الغابون. في حين اكتشفنا توسعا كبيرا لشركات يرأسها مواطنون يحملون الجنسية اللبنانية، وتشتغل في جميع المجالات؛ بل وتضايق المد الصيني هناك». دعامات الإستراتيجية المغربية تعتمد على العمل داخل سوق جديدة ذات إمكانات واسعة تخلق فرص للشغل ليد عاملة لا تكلف كثيرا؛ وهو توجه لن يكون حبرا على ورق، لأن كل رجال الأعمال الذين رافقوا الملك يعرفون أنهم محط تتبع من لدن الملك والحكومة. وإن خلق لجنة التتبع لكافة المشاريع التي وقّع عليها القطاعان العام والخاص في إفريقيا هو خير دليل على ما نقول؛ وهو ما علق عليه مصدرنا مازحا «أصبح لرؤساء المؤسسات العمومية مجلسان للإدارة: واحد مع المساهمين والثاني مع لجنة التتبع».
يرافق هذا التوجه الاقتصادي تمثين العلاقات الإنسانية والروحية مع شعوب هذه المناطق. يقول مصدرنا: «جلالة الملك دشن ووضع الحجر الأساس لمشاريع اجتماعية في أحياء لا توجد فيها معالم الحياة وينعدم فيها الأمن، وشاهد المغاربة كيف أن الموكب الملكي كان يخترق شوارع مدن بدون تشديدات أمنية»، ويشير المصدر ذاته إلى أن «الرغبة كانت واضحة في أن يرسخ فكرة المغرب الأخ والصديق لشعوب هذه الدول، عبر مشاريع تمس المواطن في حياته اليومية مباشرة؛ زيادة على التقدير الكبير الذي تحظى به المؤسسة الملكية في الأوساط الدينية في مجموعة دول إفريقيا جنوب الصحراء».
سياسيا، ورغم الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية، أصبح البحث جادا لصيانة علاقات جديدة مع دول نتقاسم معها وحدة المصير والروابط التاريخية والروحية التي توطدت على مدى قرون، خصوصا مع تنامي الشعور برفض التعامل مع هذه الدول كمستعمرات. إذا كان فرانسوا هولاند قد دخل إلى مالي ومعه جنود فرنسيون ولم يقض فيها ولو ليلة واحدة، فإن محمّداً السادس قدم إلى الدولة نفسها ومعه أكثر من 100 من رجال الأعمال ومشاريع اجتماعية؛ ولكم أن تتصوروا وقع هذه المقارنة على صورة الرجلين في مخيلة الشعب المالي.
بدا محمد السادس رجل سلام وهو يفاوض الأطراف المتنازعة في مالي من أجل تثبيت الاستقرار والتهدئة، وهو يقدم أيضا على عدم إلغاء زيارته إلى غينيا، حيث كانت الأجواء بها غير مستقرة بتاتا هناك 48 ساعة قبل أن يحل بها. كل هذه الجهود، التي بذلت خلال الزيارة الأخيرة، أبانت عن أن المغرب بات لاعبا لا يمكن الالتفاف عليه من أجل الاستقرار والتنمية في هذه الدول. كما أنها سهّلت عمل الساهرين على تدبير صورة الملكية؛ فتدوولت على أوسع نطاق صور وأشرطة مصورة للملك وهو متحرر من كافة أشكال البروتوكول يترجل من سيارته ويمشي في شوارع إفريقيا بين مواطنيها بدون حراسة، وكأنه يقول للعالم: من يريد أن يدخل إفريقيا عليه أن يمر من المغرب أولا، فـ«نحن الباب والمفتاح».
بقلم : يوسف ججيلي