بقلم: المختار لغزيوي.
لن نقول شيئا عن مسارعة قيادة البوليساريو إلى إنشاء اللجنة الصحراوية لحقوق الإنسان بالتزامن مع تقديم شهادات فظيعة من طرف محتجزين سابقين في سجون البوليساريو، لأن أي شيء سيقال في هذا الصدد سيكون ضحكا على الذقون، وإيماناً بأمر غير قابل للتصديق نهائيا. فالجبهة وحقوق الإنسان مسألتان لاتستقيمان، وعبد العزيز وبقية متنفذيه من أغنياء الأزمة والحرب حين يتحدثون عن المسألة الحقوقية يكونون فعلا مثل بائعة الهوى المسكينة التي قررت يوما أن تلقي في الناس وعلى رؤوس الأشهاد محاضرتها حول العفة والشرف.
أفضل من حديث لامعنى له عن هذا الموضوع، حديث آخر عن موضوع أكثر أهمية بموجبه احتفى المغرب أفضل احتفاء بالذكرى الثالثة لإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
فيوم الخميس الماضي،قررت الحكومة، «التفاعل السريع والتجاوب الفعال» مع الشكايات والمقترحات الواردة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المعروف اختصارا بـCNDH، ولجانه الجهوية على المستوى الوطني، ولا سيما مع اللجان في الأقاليم الجنوبية للمملكة بكل من العيون والداخلة و طان طان.
وأخبرت الحكومة الرأي العام الوطني والدولي بمناسبة انعقاد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة برئاسة عبد الإله بن كيران، بتعيين نقاط اتصال دائمة ومخاطبين محددين داخل الوزارات المعنية بشكل أكثر بهذه الشكايات، وتحديد مدة معينة لا تتعدى في أقصى الحالات ثلاثة أشهر، للإجابة عن هذه الشكايات، والعمل على نشر الردود المتعلقة بها”.
وقد جاء القرار الحكومي مثلما قال البلاغ الرسمي متجاوبا مع مقترحات وشكايات المجلس الوطني لحقوق الإنسان عقب استماع المجلس الحكومي لعرض وزير الداخلية، محمد حصاد، ووزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، حول حصيلة وآفاق علاقة التعاون بين الحكومة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
مثل هاته الأفعال لا الأقوال، هي التي تصنع الفوارق في النهاية، وهي التي تذكر بالمأثور القديم «بضدها تعرف الأشياء». ذلك أنه، وعوض أن يذهب المغرب هو الآخر إلى جنيف فقط لكي يدفع عن نفسه تهم وادعاءات انتهاك حقوق الإنسان، ويختار مثلما فعلت قيادة البوليساريو الوسيلة الدفاعية، اختار بلدنا الهجوم من خلال المرور إلى الرد العملي والاستجابة لمطالب الجمعيات الحقوقية، ولتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأين اختار البلد تركيز هذا الهجوم الحقوقي؟
في قلب الصحراء المغربية، مع التنصيص الواضح اللالبس فيه على المدن، وذكرها عنوة بالتصريح الواضح، لكي يفهم الكل – في الداخل وفي الخارج – أن الحديث الحقوقي لم يعد البعبع المخيف الذي يتفادى مسؤولو الدولة الحديث عنه، أو يختارون سبلا ملتوية لتجنب الخوض فيه. ولكم كان تدخل محمد الصبار في القناة الثانية، يوم الخميس مباشرة من جنيف، مصيبا وذكيا حين ذكر الجهات الحكومية والرسمية التي تتعاون بشكل إيجابي مع المجلس، وذكر بالمقابل وزارة العدل ومندوبية السجون قائلا بالحرف إنها تتعاون بدرجة أقل
معنى الكلام هو أن المغرب لا يريد البهرجة الإعلامية وشأن البروباغاندا والدعاية بقراره الأخير، لكنه فعلا يريد الوصول إلى آلية حقيقية قادرة على التجاوب مع شكايات مواطنيه حين إحساسهم بأي نوع من أنواع المساس بحقوقهم الإنسانية. المغرب يريد أيضاً مأسسة التعامل في هذا المجال، ويريد الارتكان إلى معايير واضحة تجعله في مأمن عن تلك الإشارة غير المحببة كثيراً من الأصبع الحقوقي الدولي والتي تعصف بكثير المكتسبات التي حققها ويحققها البلد، بسبب دعاية مغرضة هنا، أو بسبب انتهاك فعلي لحق من حقوق الإنسان وقع حقاً، ولا مفر من الاعتراف به، والوصول إلى مرتكبه، والتعامل معه وفق القانون.
هذا البلد أذكى بكثير من أن يجعل بعض الصغار قادرين على المساس بصورته اعتمادا على أخطاء عابرة وغير ممنهجة، وقرار مثل القرار الأخير من شأنه إصلاح كثير الهفوات التي وقعت، وبمقدرته أن يكون ردا عمليا على كثير الادعاءات.
وتماما مثلما بدأنا بنكتة حقوق الإنسان لدى البوليساريو، ننهيها بنفس الضحك الباكي ونحن نتابع على شاشة التلفزيون الجزائري تنويها جزائريا رسميا بخطوة إنشاء لجنة لحقوق الإنسان في تندوف
الجزائر والبوليساريو تتحدثان عن حقوق الإنسان؟ شيء ما ليس على ما يرام في هذا الكوكب الأرضي. الرجاء مراجعة كل المجرات السماوية، بحثا عن الخلل.