عبد العزيز ازكوار
I-التباين في سرعةالانتقال الديموغرافي
على أبعد تقدير،يعيش المغرب الشوط النهائي من المرحلة الاخيرة من الانتقال الديموغرافي والمتمثلة أساسا في الانخفاض السريع لمكونات تجديد الساكنة (المواليد والوفيات).وما يميز هذا التحول،الهبوط المسترسل والسريع لمعدل المواليد في اتجاه الاقتراب من ملامسة معدلات الوفيات المتناقصة. وإذا ما استمر الاتجاه على هذا المنحى ولفترة طويلة، سيستمرالنمو السكاني في التدني إلى درجة يصبع معها سلبيا (الانكماش السكاني) أي أن عدد الوفيات سيتزايد نسبيا بفعل الشيخوخة ليتجاوز المواليد الشيء الذي سيضع المغرب في مرحلة ما بعد الانتقال الديموغرافي.
ومن النتائج المنتظرة التي ستترتب عن هذا الانتقال السريع،الانقلاب التدريجي للهرم السكاني رأسًا على عقب مما سيؤدي حتما إلى تغييرات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة ومكلفة ومجهولة العواقب، تستلزم من الان اعتبار التحولات الديموغرافية مجالا متسعا للتفكير وطرح الأسئلة حول ما ستصبح عليه تركيبة الساكنة وخصائصها وماهية السياسات العمومية المستقبلية التي ستبنى على خلفية البيانات التي سيوفرها الاحصاء العام المقبل للسكان والسكن باعتباره أكبر عملية شاملة و جامعة لتعداد السكان وخصائصه تقوم بها وتقودها المندوبية السامية للتخطيط بالإضافة إلى المسوح و الدراسات والاسقاطات المستقبلية.
وإذا كانت كل دول العالم تعيش اليوم مرحلة ما من مراحل الانتقال الديموغرافي،إلاّ أن هنالك فارق بارز في سرعة إنجاز ذلك. والمغرب،تميز خلال الخمسين سنة الماضية بالدينامية والتطور السكاني الفائق السرعة والنموذج الفريد من نوعه من بين الانساق التاريخية للتحولات الديموغرافية في العالم حيث انجز انتقاله في وقت قياسي بالمقارنة مع بعض الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا اللتين أنهيا هذه المرحلة على امتداد ما يقرب من قرنين من الزمن ( مند الثورة الصناعية) مما مكنهما من مراكمة الثروات المادية و المعرفية و ترسيخ المهارات الحياتية للتعايش والتعامل مع أطوار ومراحل العمر بشكل عام والشيخوخة بشكل خاص.
ويعزى هذا التحول إلى وقع وآثار الخصوبة المتناقصة حيث انخفضت بشكل سريع منتقلة من 7,2 طفل (ما يقترب من الخصوبة الطبيعية) لكل امرأة سنة 1962 إلى 2،2 طفل لكل امرأة سنة 2009/2010 حسب البحث الوطني الديموغرافي (2009/2010) وعلى الرغم من بروز زيادة طفيفة وغير منتظرة في مؤشر الخصوبة الكلية حيث تم تقييمها في 2,59 طفل لكل امرأة خلال (2010/2006 )وفق البحث الوطني حول السكان وصحة الاسر(وزارة الصحة)، في الوقت الذي لم يحقق الوسط الحضري المستوى المرجعي لإعادة إنتاج الاجيال حيث وصلت الخصوبة إلى 1,8 طفل لكل امرأة سنة 2009/2010كمؤشر أٌقل ممايكون عليه الحد الأدنى الخام المحدد في 2،1 طفل لكل امرأة. وعلاوة على ذلك، يتضح من جهة ثانية، استقرار متوسط العمر عند الزواج الأول خلال نفس الفترة حيث أضحى يقارب 31 سنة بالنسبة للذكور و26 سنة بالنسبة للنساء، و من جهة ثانية الزيادة في نسبة استعمال وسائل التنظيم العائلي التي انتقلت من 63 % سنة 2004/2003 إلى 67,4 % سنة 2010/2011.
وتراجع كل مؤشرات الخصوبة بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية، ستحدث ثغرات عميقة في الهرم السكاني، حيث تراجعت من جهة نسبة الأطفال دون الخامسة عشرة من 44,4 في المائة سنة 1960 إلى 26 في المائة سنة 2014 وتزايدت من جهة ثانية في نفس الفترة نسبة الفئة العمرية الممتدة من 15 إلى 59 على التوالي من 48,4 في المائة إلى 64،5 في المائة. وتزايد أعداد الساكنة النشيطة يعود إلى التدفق و الانزلاق القوي لدفعات الاجيال الحديثة المقبل على سوق الشغل والتي ستتراجع خلال العقود المقبلة الشيء الذي سينتقل معه المغرب من دولة مصدرة لليد العاملة إلى دولة مستوردة ومستقبلة لها.
II -الشيخوخة السكانية
ليس هناك إجماعا حول تعريف وتحديد السن الذي يصبح فيه المرء مسنا أو عجوزا. فنحن لا نصبح جميعنا مسنّين في نفس السنّ،فالشيخوخة ليست فقدان الشباب، وإنما "مرحلة جديدة للفرصة و العطاء" (بيتي فريدان 1921- 2006) نظرا لتراكم المعرفة والخبرة.فسنّ الشيخوخة يختلف بحسب الفئات الاجتماعية والاقتصادية (25،2 في المئة من المسنين من أرباب الاسر مصنفون في خانة الفقر والهشاشة سنة 2006/2007)، والمهنيّة وحسب الثقافات والازمنة، وقد تأتي الشيخوخة هادئة غير قاسية وقد تصاحبها أمراض مزمنة، وامراض عصبية ونفسية. لكن بما أنّ الإصابة بالمرض قد أصبحت تتأخّر أكثر فأكثر، فغالباً ما يتمّ الربط بين الشيخوخة و المرض،و لكن ليس جميع المسنّين مرضى في مقابل ذلك تبدو الشيخوخة الطريقة الوحيدة المتاحة للعيش الطويل(كيتي أونيل كولينز 1912-1994).
"وحتّى القرن التاسع عشر، كانت غالبية الناس تموت في سنّ الشباب، لكنّهم كانوا يموتون سريعاً. فالأمراض المزمنة والمعوّقة كانت قليلة جداً وغير معروفة، لكنّها اليوم أضحت تتكاثر:كالسرطان، والسكّري، والأمراض العصبية ، ومنها مرض الزهايمر والأمراض المشابهة" (لوموند ديبلوماتيك النشرة الفرنسية ، يوليو 2013Jérôme PELISSIER).وفي غالبية الأحيان، يمكننا العيش لفترةٍ طويلة مصابين بأحد هذه الأمراض،والتي تظهر في مرحلة متأخّرة ولا تتّضح إلاّ بعد مرور عقودٍ حيث يبين الجدول أسفله إن كبر السن في المغرب يعيشون في المتوسط 13 سنة مصابين بأمراضٍ مزمنة ومعوّقة، أو في حالة إعاقة أو عاجزين عن تدبّر أمورهم بنفسهم.
متوسط العمر المرتقب (2009- 2010)
الفارق
|
العمر المرتقب دون عجز (1)
|
متوسط العمرالمرتقب
|
النوع
|
13
|
61
|
74
|
الذكور
|
12,6
|
63
|
75،6
|
الاناث
|
12,8
|
62
|
74،8
|
الاجمالي
|
(1) تقديرات المنظمة العالمية
وهكذا سيزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون مصابين بأمراضٍ مزمنة ومعوّقة على خلفية الزيادةفي متوسط العمرالمرتقب والذي انتقل خلال الخمسين سنةالفارطة (1962 إلى 2011) من 47 سنةإلى 75 سنة. وحسب البحث الوطني حول كبرالسن (2006) فمن أصل 2,5 مليون مسن في المغرب حوالي مليون ونصف (%59) يعانون من مرضٍ طويل الأمد( (ALDكما أن مايناهز 50 % (26188 حالة وفاة)من مجموع الوفيات لسنة 2011 التي تمت معاينتها رغم محدوديتها وضعف تغطيتها، تعود للفئة العمرية 65 فمافوق.
إن تآكل وانكماش القاعدة والاتساع المسترسل لوسط الهرم السكاني والبروز المتسارع للشيخوخة، ولا سيما عندما تصاحبها زيادة في متوسط العمر المتوقع،ستداهمنا، بشكل قوي انطلاقا من سنة 2024حيث سيتضاعف عدد المسنين ليصل إلى 4،8 مليون أي 13%،لتنتقل إلى 6,5 مليون نسمة سنة 2034 (17%(. وفي سنة 2050 سيصل هذا العدد إلى 10ملايين أي 25% من مجموع الساكنة أي أكثر مما ستكون عليه فئة الاطفال الاقل من 15 السنة (17%من مجموع السكان).ولمقاربة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لكبارالسن،تم اعتماد مؤشرترتيب شيخوخةالسكان العالمي”الذي تأسس بالتعاون بين منظمة"ساعدواالمسنين"الدولية والصندوق الدولي للسكان"، الذي يأخذ في الاحتساب الدخل،والصحة،والشغل والتعليم،والبيئة المواتية حيث منح المغرب سنة 2013المرتبة 81 منأصل 91 دولة تم اعتمادها في الدراسة. والمثير في الدراسةهوأن الدول الأسرع اتجاهاًنحوالشيخوخةهي الدول النامية،التي تقبع في الصفوف المتدنية.
وإذا اصبحت الشيخوخة تداهمناوتطرح علينا تحديات كبيرة، ستكون لها تبعات على أكثر من مستوى: التغطية الصحية الشاملة، والحماية الاجتماعية والتضامن والاعالة باعتبار أن مؤشر الاعالة (60 سنة فأكثر مقسوم على الفئة العمرية 15-59 سنة) سينتقل من 13 في المئة سنة 2004 إلى 24 في المئة سنة 2030 ليصل 37 في المئة سنة 2050، تدبير المجال الحضري وملائمة السكن باعتبار أن أغلب كبر السن سيتواجدون في الوسط الحضري. لذا واعتبار لذلك، يتعين التفكير العميق والذكي في المستقبل بصيغة الحاضر لتبني سياسات اجتماعية قادرة على إيجاد الحلول لتمويل وتعميم المعاشات وتوسيع الحماية الاجتماعية بشكل يضمن الحق في العيش الكريم على أساس الشمولية وعدم التمييز.
Zguiouar@yahoo.fr