عندما تُعاين «تيارين» يتصارعان داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فتأكد أن النتيجة ستكون كارثية على أحدهما. الاختلاف يدبر بينهما، في كثير من الأحيان، كحلبة صراع للديكة الذي ينتهي بآثار فاضحة على جسمي المتصارعين، وكأن الأمر يتعلق بأعداء لا مناضلين تجمعهم الفكرة نفسها وتوحدهم المرجعية نفسها ويواجهون، مجتمعين، خصومهم السياسيين. هم يجيدون، بشكل غريب، جلد الذات بقساوة قلّ نظيرها؛ وللأسف، عندما يتصارعون فهم يدمرون بعضهم البعض بكل ما أوتوا من قوة. لن أقدم لكم أمثلة صراعات كانت مدمرة لكفاءات وللحزب نفسه؛ فمنذ تأسيسه، ودماء أبنائه تتفرق بين أهل البيت والدولة والخصوم. منذ سنتين تقريبا، والاتحاد الاشتراكي في صراع مع ذاته، تياران تنافسا داخل أشغال المؤتمر الأخير؛ أحدهما فاز، فكان أن اختار منهاج الديمقراطية الصارمة، أي ما معناه إقصاء التيار الآخر من جميع الأجهزة الحزبية. فما كان من التيار الثاني إلى أن أكد وشدد على أن يد الدولة امتدت إلى صناديق الاقتراع داخل الاتحاد؛ لكن من يعرف الاتحاد يعلم أن أبناء المهدي بنبركة يجيدون، عند كل استحقاقات، لعبة الشائعات وإلصاقها بالأشخاص. التيار الثاني يمتلك الفريق البرلماني بأكمله، لأن قيادته مكونة أساسا من بعض أعضاء الفريق النيابي ومن أطر وكفاءات تحظى بالاحترام داخل الحزب وخارجه؛ وعلى رأسها أحمد رضا الشامي، الوزير السابق. الكاتب الأول جنّ جنونه، لأن يده غير مبسوطة على هذا الفريق، فكيف لرئيس حزب أن يدافع ويضغط والفريق الذي يمثل حزبه داخل مجلس النواب يصارعه ويتجاوزه؟
منذ سنتين وهذا الحزب الكبير يصارع ذاته ويتقاتل فيما بينه، في الوقت الذي كان ينتظر منه أن يكون قوة رافعة للمعارضة، يقودها في وجه تيار يمثل خصما سياسيا بامتياز بالنظر إلى مرجعيته وتاريخ الصراع بينهما. كان الأمل أن يقوم الاتحاد، بكل كفاءاته، بدور المعارضة البناءة لحكومة العدالة والتنمية التي تتلمس خطواتها في تدبير الشأن العام، وبني أمل كبير على أن تتلاقى «نية» محاربة الفساد والاستبداد مع قوة معارضة أدى أبناؤها ثمنا غاليا من أجل قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كانا سيتواجهان معا خدمة للوطن. عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، لم يكن يتكلم عبثا عندما كان يدق بيت الاتحاديين من أجل «تسخين أكتافه»، كما قال، بالمشاركة في حكومته؛ وهو يعلم أنهم، فعلا، «رجال»، كما كان يكرر أيام البحث عن تجميع أغلبيته.
عندما كانت هيأة الإنصاف والمصالحة تقوم بإحصاء ملفات من تعرضوا للاختطاف والتعذيب والاغتيال أيام سنوات الرصاص، وجدت أن أكثر من 75 في المائة من الملفات المعروضة هي لاتحاديات واتحاديين قدموا أرواحهم فداء للوطن. حينها، كانت تيارات سياسية أخرى، ومنها من يدبر الشأن العام اليوم، تقوم بأدوار أخرى قذرة ينتج عنها اختطاف الاتحاديين وتعذيبهم واغتيالهم. اليوم، أقترح تشكيل هيأة إنصاف ومصالحة جديدة؛ لكن، هذه المرة، داخل الحزب لجبر ضرر الآلاف من الكفاءات التي غادرت سفينته مضطرة، غاضبة، مطرودة أو مضطهدة. محمد الكحص لسنوات وهو يركن بعيدا لا أحد يسأل عنه، وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي وضعا جانبا كأنهما لم يؤثرا يوما في تاريخ هذا الحزب، ولطيفة اجبابدي التي منذ أن تلقت الضربة بقنينة الماء لم تضع يوما رجلها في مقرات الحزب… أخريات وآخرون يستحقون جبر الضرر من حزبهم في انتظار أن يتعقل «تياراه»، ويكف الأول عن استدعاء أعضاء الحزب بواسطة الأعوان القضائيين والتلويح بورقة التأديب في حق شباب الحزب وشيوخه، ويضع الثاني مصلحة الوطن أولا ومصلحة الحزب فوق كل الاعتبارات الصغيرة؛ فلا يعقل أن تتركوهم وحيديين يمارسون هواية «التبوريد» المفضلة لديهم وأنتم هناك تتقاتلون فيما بينكم. وما دمتم قطعتم، منذ مؤتمركم الأخير، مع كلمة «الزعيم»؛ فلا بأس أن تعلنوا في وجه مضمون تلك الكلمة: «ارحل»، وتشتغلوا كفريق به كفاءات وأطر، وتساهموا فيما يعيشه الوطن من موقعكم في المعارضة.
بقلم : يوسف ججيلي.