يتوفر المغرب على موقع جيو- استراتيجي هام يمكنه من تطوير علاقاته الاقتصادية والمالية مع الخارج وخصوصا مع الدول الإفريقية والخليجية. إلا أن ذلك يتوقف على مدى قدرة النسيج الاقتصادي الوطني على مواجهة المنافسة المحتدمة في أسواق هذه البلدان...
استطاع المغرب أن يحتل موقعا استراتيجيا دوليا هاما في المجال الاقتصادي كبوابة لإفريقيا وأوربا والعالم العربي وكنافذة مفتوحة على الواجهتين الأمريكيتين وذلك بفضل تواجده الجغرافي الجيد وانفتاحه على العالم منذ سنوات الثمانينيات، ولاسيما بفضل الإرادة السياسية والدبلوماسية الاقتصادية الرسمية والموازية التي عرفت تطورا ملموسا خلال العشر سنوات الأخيرة بقيادة جلالة الملك محمد السادس من خلال استقباله لكبار المسؤولين الحكوميين وصناع القرار الأجانب في القطاعين العام والخاص ومن خلال الجولات التي قادته إلى مناطق مختلفة من العالم كبعض دول منظمة التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا بعض الدول الإفريقية.
إن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بمنطقة الأورو، الشريك الرئيسي للمغرب، ألزمت على المغرب البحث عن تطوير علاقاته الاقتصادية والمالية في إطار التعاون جنوب-جنوب، ومن تم كان التوجه نحو دول منظمة التعاون الخليجي وكذلك البلدان الإفريقية وخصوصا الغربية والفرنكوفونية منها، وكان أن أصبح للمغرب تواجد جنيني هم بشكل خاص القطاع البنكي والنقل الجوي وقطاع البناء والأشغال العمومية . إلا أن الاستغلال الأمثل للتوجه المغربي نحو إفريقيا والخليج يتطلب في بداية الأمر التغلب على مجموعة من المعيقات نذكر من بينها بالدرجة الأولى غياب التواصل وعدم التوفر على أسطول بحري يواكب الاستثمارات الهامة التي أنجزت في قطاع للنقل البحري ويؤمن فتح خطوط بحرية تربط بين المغرب والبلدان المذكورة وبالدرجة الثانية ضعف القدرة التنافسية للنسيج الاقتصادي الوطني، الذي مازال يجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على أسواقه التقليدية وفي اكتشاف وغزو أسواق جديدة والأكثر من ذلك في مواجهة المنافسة للمنتوجات الأجنبية في الأسواق المحلية.
بالفعل، فالعودة إلى التوجه نحو إفريقيا، بعد التركيز على دول الشمال في العقود السابقة، تفتح آفاق مستقبلية واسعة أمام المغرب لما تتوفر عليه القارة السمراء من فرص كبيرة للنمو تتراوح معدلاته خلال العشرية الحالية ما بين 5و7%، وهذا ما يفسر تهافت معظم الدول على هذه السوق الواعدة التي تضم أزيد من 800 مليون نسمة معظمهم من الشباب في سن الاستهلاك وتتوفر على طبقة متوسطة تنمو بشكل تصاعدي وتزداد متطلباتها من حيث الجودة. ونذكر من بين الدول التي بدأت تحصل على حصص كبرى من هذه السوق الهند والصين واليابان التي بدأت تعزز تواجدها بشكل مكثف في هذه القارة خلال السنوات الأخيرة. وعليه، فإن حصول المغرب على حصة من هذه السوق، تتلاءم مع مؤهلاته وعلاقاته الجيدة مع البلدان الإفريقية، يتطلب من النسيج الاقتصادي الوطني التخصص في منتوجات يتوفر فيها على امتيازات تفضيلية وتمثل كذلك إحدى الحاجيات المعبر عنها في هذه الأسواق مثل منتوجات الصناعات الغذائية وفي مقدمتها معلبات السمك.
أما بخصوص دول منظمة التعاون الخليجي التي تشكل سوقا تضم 42 مليون نسمة وتتوفر على القدرة الشرائية الأعلى في العالم، فإن الأرقام الصادرة عن مكتب الصرف المتعلقة بالمبادلات التجارية أظهرت أن الميزان التجاري المغربي يسجل عجزا بنيويا كبيرا لفائدة دول المنظمة، بلغ 30 مليار درهم خلال سنة 2012، وذلك نتيجة استيراد المحروقات والمواد النفطية التي بلغت قيمتها 30 مليار درهم فيما لم تتجاوز قيمة الصادرات المغربية نحو هذه الدول 2 مليار درهم. وخلال نفس السنة، لم يحصل المغرب من هذه السوق سوى على حصة 0.7% وهي حصة ضعيفة جدا بالمقارنة مع العلاقات الجيدة مع دول المنطقة.
وفيما يتعلق بالصادرات خلال الفترة الممتدة ما بين 2000 و2012، فإن متوسط قيمتها لم يتعد، حسب نفس المصدر، مليار درهم بمعدل نمو سنوي ناهز 16% في الوقت الذي بلغ فيه متوسط قيمة الواردات خلال نفس الفترة 16 مليار درهم بمعدل نمو سنوي قارب 22%.
كل هذه الأرقام تفيد أن تحدي ولوج المقاولات المغربية لهذه الأسواق يتطلب قدرة تنافسية عالية ولكن، وبالموازاة مع ذلك يقتضي القيام بحملات تواصلية مكثفة لفائدة رجال الأعمال للتعرف جيدا على الحاجيات المعبر عنها في هذه الأسواق والتي يمكن أن يتوفر فيها النسيج الاقتصادي الوطني المغربي على حظوظ وافرة لمنافسة المنتوجات المتواجدة بها القادمة من بعض الدول الأكثر تنافسية، كما يتطلب من الدولة تذليل العقبات التي تقف أمام الصادرات المغربية والمتمثلة أساسا في بعض القيود الجمركية وضعف قطاع النقل البحري الذي يساعد على نقل المنتوجات في الوقت المناسب وفي ظروف جيدة وبتكلفة أقل وذلك فضلا عن مواكبة المقاولة التصديرية من خلال اتخاذ الإجراءات الضرورية للنهوض بقطاع الصادرات ومن خلال اتخاذ التدابير اللازمة للتغلب على المشاكل التي تعيق نموها وخصوصا تلك المتعلقة بالتمويل.
إن الموقع الجيواستراتيجي الهام الذي يتمتع به المغرب يمكن أن يساعده على حل كل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية ويفتح أمامه آفاقا مستقبلية واسعة إن هو نجح في تأهيل نسيجه الاقتصادي لمواجهة تحديات المنافسة الشرسة في الأسواق الخارجية وخصوصا في إفريقيا والخليج التي يتوفر فيها على مؤهلات كبيرة لغزو أسواقها.