زارت المغرب مؤخرا لجنة خبراء أمريكيين تمكنت خلالها من القيام بجولة ميدانية لمجموعة من المراكز السجنية. وتدخل جولة الملاحظين الأمريكيين في إطار التعاون بين المغرب والولايات المتحدة في هذا المجال، حيث تم وضع برنامج عمل يمتد على ثلاث سنوات، يشمل على الخصوص مسائل تتعلق بتحديد الحجج الإجرامية، وتصنيف وإدارة الأزمات وكذا الإدماج. ولا شك أن اللجنة وقفت على واقع السجون بالمغرب، وظروف الاعتقال، وأخذت ما يكفي من المعلومات والمعطيات حول مسألة التعذيب التي اختارت بعض الأبواق أن تنفخ فيها بمناسبة الاجتماع الدوري لمجلس حقوق الإنسان بجنيف لغاية في نفوس الذين يحددون توقيت الأجندة والمواضيع التي يجب النبش فيها من أجل الإساءة إلى المغرب. تزامنت هذه الجولة مع إعلان خوان منديز، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب، أمام أكبر تجمع دولي لحقوق الإنسان بجنيف، عن تشكراته للمغرب لما أظهره من تعاون وجهود مستمرة في محاربة التعذيب، مشيرا في نفس الوقت إلى سعي المملكة الحثيث لوضع التوصيات ذات الصلة مع محاربة التعذيب موضع التنفيذ. لم يكن إعلان خوان منديز مجرد انطباع يعبّر عنه، بل حقائق جاءت في تقرير قدمه أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف. ومن المعلوم أن التقرير لا يتم إلا على أساس معطيات وبيانات ولقاءات وزيارات ميدانية، وليس على ارتسامات يدوّنها المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب في مكتبه. لذلك جاء التعبير عن ارتياحه للجهود التي يبذلها المغرب على هذا المستوى تتويجا لدراسات معمّقة وزيارات متتالية للمغرب للوقوف على واقع الحال، فكانت الإشادة بالتعاون المغربي مع الإجراءات الخاصة والميكانيزمات المحددة من طرف مجلس حقوق الإنسان حول قضايا موضوعية في العالم أو حول وضعية خاصة لبلد. خوان منديز خبير دولي يحظى بثقة الأمم المتحدة، ولا يمكن أن يقدّم تقريرا، أمام العالم، لا يستند على أساس، وهو التقرير الذي أرفقه بتحية خاصة للمملكة المغربية من أجل التزامها بالتعاون المستقبلي إلى جانب الإشادة بدعوة الرباط لزيارة فريق الخبراء حول التعذيب للمغرب. المغرب لم يتحدث أو زعم يوما أنه "جنة حقوق الإنسان"، بل إنه قام بمجهود ملموس على صعيد تحسين حقوق الإنسان من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة وما قامت به من مبادرات لجبر الضرر، وعلى صعيد تفعيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتمكينه من جميع الوسائل والشروط التي تسمح له بالقيام بدوره الحقوقي، وبإنشاء مكاتب جهوية في مختلف أنحاء البلاد، وبإدخال ثقافة حقوق الإنسان في البرامج المدرسية وفي الحياة العامة، ودعوة المنظمات الحقوقية الأممية والدولية بزيارة المغرب، وهو الشيء الذي كان موضوع إشادة خاصة من طرف خوان منديز الذي فتحت أمامه جميع الأبواب للقاء المعتقلين ومراكز الاعتقال. إن تحسّن حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم بدون القيام بمجهود ملموس ومبادرات عملية. وهذا يتطلب وقتا كما يتطلب تهييء الشروط والظروف الملائمة لإنجاز ما ينبغي إنجازه، وكذا وجود إرادة سياسية حقيقية تتطلع إلى طيّ ملف التجاوزات والانتهاكات ضد حقوق الإنسان، إلى جانب حصول تراكمات وخبرات جمّة على هذا الصعيد. حينها يمكن الحديث عن ثقافة حقوق الإنسان وليس عن الجنّة. وفي هذا الاتجاه يشقّ المغرب طريقه بإصرار وثقة. الحديث عن الحقوق لابد أن يكون مرتبطا بالحديث أيضا عن الواجبات، لأن المواطنة الحقّة تفرض أن تسير الحقوق والواجبات في خط متوازٍ ومتوازن، مما يضمن تحقيق المزيد من المكتسبات والمنجزات. أما الذين يتشدقون بوجود "جنة لحقوق الإنسان" لديهم، فليس بينهم وبين هذه الحقوق أية علاقة بل هي بعيدة عنهم بعد السماء عن الأرض. أما الحديث عن "الجنّة" فيبقى مجرد هذيان سياسي يعطي الدليل على مستوى الخرف والوهن السياسي الذي أصاب البعض حتى أصبح لا يعلم من بعد علم شيئا.
حمادي الغاري