|
|
|
|
|
أضيف في 12 مارس 2014 الساعة 53 : 08
لنبتعد بشكل استثنائي عن لغة الارقام، والاحتمالات والمعطيات النائمة، وامام التطور المسترسل للطب والعلاج، وللتكنلوجية الحديثة في المجال البيوطبي وإعمال خرائط الجينات البشرية، ومع ما يطرحه هوس البقاء والزيادة في متوسطات الاعمار المرتقبة دون مرض وعجز أو ألم، ما تزال مجالات التفكير والتساؤل حول الصحة وماهيتها وأحقيتها تتسع وتحضي باهتمام عميق واشتغال دائم للفلاسفة، والمفكرين، والحقوقيين، والمنظمات و المؤسسات ذات الصلة بموضوع المرض والبقاء والحق في الصحة والرفاه. هذا وقد قدّمت «منظمة الصحة العالمية في دستورها لسنة 1946، تعريفاً للصحة يوفق بين حُسن الحال الجسدي والذهني والاجتماعي، وليس فقط غياب المرض أو العاهة. ويتوافق هذا مع ما جاءت به المقاربة الشاملة حيث ان الصحة ليست فقط صمت الأعضاء "– 1593-1496 - Rablais ". إلا أن هذا لا يمنع من تحليل مضامين الخطاب الطبي، وان المعرفة الطبية أنتجت خطاباً عيادياً ركز أكثر على موضوع المرض والألم، من اهتمامه بحال الصحة الحسنة نفسها. وفي كتاب «تاريخ الجنون» (1961) و «ولادة العيادة» (1963)، كان ميشال فوكو واحداً من الباحثين الذين ناهضوا خطاب المرض، الذي يستبعد الصحة الحسنة ضمنياً، وحاولوا إظهار حدوده وعجزه. وفي هذا السياق، لا يمكن للبعد العضوي وحده أن يختصر ظاهرة الألم، حيث يتضح من خلال الدراسات الاجتماعية والأنثربولوجية، أن الطب المعاصر صار طبا علاجياً بامتياز، فيما تميّز الطب قديماً بارتباط شديد على الجوانب الوقائية، والاجتماعية إذ تمحور سؤال الطب القديم حول الصحة وتمامها وحُسن حالها، فيما يدور الطب اليوم حول المرض. وقد أكد الفيلسوف الألماني هانز غادامير damarGa شيخ الفلاسفة (1900 -2002 ) في كتابه «فلسفة الصحة» (باريس، 1998)، أن سلوك الإنسان لحفظ الصحة يفتقد لأساس علمي متماسك، وبعبارة أخرى، فإن الطابع الخفي للصحة يشير إلى غياب النظر الموضوعي للصحة في الخطاب العلمي. وفي نفس الكتاب، يذكّر غادامير بما قاله أفلاطون، من أنه لا يمكن شفاء الجسم من دون شفاء النفس، أي من دون الإلمام بطبيعة الكلّ الإنساني. كما لاحظ أن الصحة هي شيء نعرفه، لكننا، لا ندرك كنهه. و في هذا السياق، تظهر الصحة كانسجام فريد بين طبيعة الإنسان وحاله من جهة، وبين ما يتهدده فيزيائياً واجتماعياً من جهة ثانية. وبما أن الطب الحديث يتميز بالتخصص، فإنه لا ينجح في تقديم العون المطلوب حين يتعلق الأمر بإضفاء معنى على حياة المرء الفردية في صورتها الشاملة، ولا حتى بوصفه ذاتاً اجتماعية. وبحسب المنهج التأويلي لغادامير، يجدر التفكير بالصحة كشيء يجب إخضاعه للتفسير، والحوار والإصغاء، إذ أن الصحة تجربة توازن، في معنى إنساني واسع. وانطلاقاً من هذه النظرة للصحة، فكّر غادامير بأن المرض يشبه تجربة فقدان التوازن، سواء داخل الجسم عضوياً، أم بين الإنسان ومحيطه. وشكلت الصحة عبر تاريخ البشرية مجالا متسعا للتفكير والبحث و مطلبا مجتمعيا تابتا،كما حظيت مند الأربعينات من القرن الماضي بمكانة سامية في المنظومة الدولية لحقوق الانسان،حيث عرفت الساحة الدولية والوطنية نقاشا حول مضامين التقارير الدولية والمقاربات التي تتوخى تصنيف الدول على مجموعة من سلاليم التنمية البشرية حيث تحتل الصحة علاوة على بعض المحددات الاجتماعية الاخرى، مكانة في قلب نماذج التصنيف والترتيب، ومن جهة ثانية أصبح اداء Performence الصحة يشكل موضوع تساؤل واستفسار في إطار الاستعراض الدوري الشامل باعتباره آلية للإجابة على الشكاوي المقدمة في مجال حقوق الإنسان، الشي الذي يوقفنا لطرح السؤال البديهي الذي يبدو متطابق والتساؤلات لعدد كبير من المتتبعين : هل تبني المقاربة الحقوقية وما ينتظر منها في مجال الصحة، أدى إلى الترسيخ الفعلي والعملي للحق في الصحة ؟ وإذا لم نطرح هذا السؤال على أنفسنا سيأتي أناس عاديون يطرحون علينا نفس الاسئلة ليس من باب التهكم أو فقط كترف فكري.
استنادا للشرعية الدولية لحقوق الإنسان، يعتبر الحق في الصحة من حقوق الإنسان الأساسية، والبوابة الرئيسية لولوج الحقوق الاخرى، بإيعاز أن المرض والالم غير قابلان للانتظار ولا يمكن إرجائهما إلى حين. وقد تم التنصيص على هذا الحق في المواثيق والمعاهدات الدولية الاساسية ومختلف الصكوك العالمية ودساتير الامم ومنها الدستور المغربي الاخير المصادق عليه سنة 2011 مما يضع مسؤولية الالتزام بالإعمال الفعلي لهذا الحق على عاتق الدولة والحكومة.
وقد تم ولأول مرة الاقرار بالحق في الصحة من لدن المنظمة العالمية للصحة سنة 1946 . كما تناول الاعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948، الصحة من خلال المادة الخامسة والعشرون وخاصة الفقرة الاولى منه حيث نصت على أن "..... لكل شخص الحق في مستوى معيشة كافي للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته......" في حين خصص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لحق الانسان في الصحة مادة منفردة هي المادة الثانية عشرة حيث تناولت هذا الحق من خلال مجموعة من الفقرات تتمثل، "في الزام الدول بتوفير اعلى مستويات الصحة البدنية والعقلية، واتخاذ الخطوات الكفيلة بالحد من نسبة الوفيات في المواليد و في الأطفال، واتخاذ الاجراءات اللازمة بالتنمية الصحية للطفل، والعمل على جعل البيئة عموما، والبيئة الصناعية بشكل خاص بيئة صحية، والوقاية من الامراض المعدية والسارية والمتفشية ومعالجتها وحصر نطاقها إلى ابعد الحدود وتوفير الخدمات الطبية والعناية الطبية لكل مريض......" . وبالإضافة لذك، تنص الفقرتان 23 و24 من اتفاقية حقوق الطفل، "على توجه الدول نحو العمل على ضمان حصول الطفل وأسرته على الخدمات الصحية الأساسية، بما فيها الرعاية المناسبة للأمهات قبل الولادة وبعدها. وتربط الاتفاقية بين هذه الأهداف وكفالة الحصول على معلومات ملائمة للأطفال بشأن السلوك الوقائي والمعزز للصحة، وتقديم الدعم إلى الأسر والمجتمعات من أجل تنفيذ هذه الممارسات. ويتطلب تنفيذ مبدأ عدم التمييز أن تتمتع الفتيات، وكذلك الأولاد، بالمساواة في الوصول إلى التغذية المناسبة، والبيئة الآمنة، والخدمات الصحية البدنية والعقلية".
وبحسب الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، "تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق المتعلقة بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية". وبخصوص الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، "تعترف الدول الأطراف بـأن للأشخاص في وضعية الإعاقة، الحق في التمتع بأعلى مستويات الصحة دون تمييز على أساس الإعاقة. كما تحث الدول بالاتخاذ كل التدابير المناسبة الكفيلة بحصول الأشخاص في وضعية الإعاقة على خدمات صحية تراعي الفروق بين الجنسين، بما في ذلك خدمات إعادة التأهيل الصحي حظر التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في توفير التأمين الصحي، والتأمين على الحياة حيثما يسمح القانون الوطني بذلك، على أن يوفر بطريقة منصفة ومعقولة...". وعلاوة على ذلك ، هناك العديد من الاليات الجهوية كالميثاق الاجتماعي الأوروبي الذي تنص المادة 11 على ازالة أسباب اعتلال الصحة وتنص على "…توفير التسهيلات الاستشارية والتعليمية من أجل تنمية الصحة وتشجيع المسئولية الفردية في المسائل الصحية، للوقاية من الأمراض الوبائية، والأمراض المستوطنة، والأمراض الأخرى، وكذلك الحوادث بقدر الإمكان". كما أن البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد نص على"الوفاء بالاحتياجات الصحية للمجموعات التي تتعرض للأخطار وأولئك الذين يتعرضون للأخطار بشكل أكثر بسبب الفقر. ..." كما تلزم المادة 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان،" الدول الأطراف بحق كل فرد في المجتمع بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه، وفي حصول المواطن مجاناً على خدمات الرعاية الصحية الأساسية وعلى مرافق علاج الأمراض من دون أي نوع من أنواع التمييز". وفي نفس الاتجاه منح الدستور المغربي (2011) مكانة متميزة للحق في الصحة حيث ينص الفصل 31 على أن "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية الحماية الاجتماعيةوالتغطيةالصحية،والتضامن التعاضدي أوالمنظم من لدن الدولة......." وعلاوة على ذلك، يقضي منطوق الفصول 20، و43 و154" بالحق في الحياة، وعدم المس بالسلامة الجسدية، والمعنوية، و وضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة ومعالجة الأوضاع، الهشة، ولفئات من النساء والأمهات، وللأطفال والأشخاص المسنين والوقاية، وتنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات وو إخضاع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرهاالدستور"
إن كلمة الحق "في الحق في الصحة" تأخذ معني الاستفادة وتوحي بالتطلع إلى فرضها والمطابة بإمكانية التماس سبل انتصاف فيما يتعلق بالانتهاكات أو التقصير، أو الاهمال، أو رفض توفير العلاج الشيء الذي يستلزم توافر العرض الصحي والخدمات الصحية الفعالة، والولوج المنصف، والولوجية التي تستوجب إمكانية الوصول ماديا وماليا ومجاليا، والمقبولية حيث ينبغي أن تحترم الأخلاقيات الطبية وأن تكون ملائمة ثقافياً، و ضمان النوعية الجيدة. وعدم التمييز إد يجب أن تتاح إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية دون تمييز ، والمشاركة حيث يتعين أن يكون للمنتفعين بالخدمات ومن المرافق رأي في تصميم وتنفيذ السياسات الصحية التي تؤثر عليهم. و المساءلة" Redevance" حيت ينبغي اعتبار الجهات التي تقع على كاهلها الواجبات في هذا الصدد مسؤولة عن الوفاء بالالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان في مجال الصحة. واليوم، وما ستمنحه التغطية الصحية الشاملة كحلقة مفصلية في حركية الإصلاحات الصحية اللازمة من إمكانيات وفرص لتنزيل وإعمال الحق في الصحة، يبقى رهين بشكل جدلي بمدى الارتقاء بالمحددات الاجتماعية كعوامل قبلية للمرض وعودة التوازن المفقود. و السعي لتحقيق ذلك ليس مجرد مطلب من أجل صحة أفضل بلا إنه مطلب من أجل العدالة والإنصاف ينبغي أن يحظى بالاكتراث و الاستعجال والتضامن حيث يذكرنا خليل جبران بقوة التحالف والتعاضد استلهاما من المقولة العميقة ” لن تنجح الملايين من الجداول الصغيرة في اختراق الصحراء، فمياهها ستختفي في أعماق الرمال. ولكن اذا جُمعت معا فإنها تصبح نهرا كبيرا يكفي لعبور الصحراء“.
عبد العزيز ازكوار. ديموغرافي
Zguiouar@yahoo.fr
|
|
3447 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|