يحيى عمران*
قطر هذا القطر الصحراوي الخليجي الصغير الذي لا تتجاوز نسبة كثافته السكانية تعداد مدينة صغيرة في المملكة المغربية. صغيرة على مستوى التعداد السكاني، تدين بالإسلام المعتدل تملك الأهم في المعادلة الاقتصادية اليوم، تملك البترول، ومن المنتجين الأوائل للغاز، مستقبل العراك الاقتصادي في الأيام القادمة .
قطر مورد طبيعي صرف حلوب، منتج للريع الاقتصادي والتجاري، مكرس للصناعة الريعية البعيدة عن صناعة رؤوس الاموال البشرية.
النتيجة، البحث عن استقواء مزعوم أمام فقر استراتيجي منتج. معادلة هيأت لها وسائل واليات تعتبر صناعة قناة الجزيرة محركا لها. هي السلاح الاعلامي الاستراتيجي الذي تغزو به مناطقها المفترض التأثيرفيها.
اليوم اضحت قطر اقوى واكبر وضربا لكل الاصوات المقزمة لصورتها وتعدادها ومساحتها الجغرافية من خلال هذا السلاح الاعلامي النووي العابر للقارات. فقد اضحت قطبا ماليا واقتصاديا صعبا في معادلة الاسثتمار العالمي.
كل هذا بفضل السلاح الاعلامي النووي الذي لا يدخله الشك من يمين او شمال، والتي قيل فيها ما قيل بخصوص مهنيتها ونشأتها وخلفيات صناعتها.
قطر اليوم تصنع خريطتها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية وتعمل على تنفيذ مخططاتها على الاقل في المنطقة العربية برعاية واشراف امريكي خالص، لكن ما صدقية هذا الحكم الجاهز؟
لعل الجواب على هذا السؤال يقتضي من الباحث السياسي المرور بالمخططات الاتية والتوقف عندها. وهو طرح يفترض طرح طروحات اخرى من قبيل: هل تسعى قطر الى اعادة صياغة وتشكيل الخريطة السياسية للمنطقة؟ هل هو تسابق نحو قيادة الخليج والمنطقة العربية عموما؟ هل تبحث من خلال العقل الامريكي عن صناعة مشروع ديمقراطي بالمنطقة ام ان الامر لا يعدو ان يكون حلما عابرا؟
لقد بدات بوادر وارهاصات التحرك القطري في المنطقة قبل اندلاع ( انتفاضات الربيع الديمقراطي) وتقوت وانتعشت اكثر من خلال هذا الحراك العربي وازدهرت بعده بشكل اقوى في مجموعة من المناطق العربية.
ونتيجة لهذا الحراك استشعر الجيران خطورة السيل الجارف المهدد في نظرهم لبقائهم واستقرارهم السياسي من خلال خارطة الطريق التي تشتغل عليها قطر في نظرهم. فالحاصل هو سحب اكبر دولة خليجية؛ السعودية الى جانب الامارات العربية المتحدة والبحرين لسفرائها من قطر، وبالتالي توتر العلاقات الدبلوماسية بين فريق قطر والفريق المخالف بشكل جعل الكويت على مساحة متساوية بين الفريقين.
قطر اليوم عضو في مجلس التعاون الخليجي ومؤثرة، كما وافقت على مشروع الاتحاد الخليجي. فماذا يقع اليوم؟ لماذا هذا التوقيت لكشف الخلاف بين الفريقين.
للمساهمة في الإجابة على الأسئلة السابقة واللاحقة نقترح المرور عبر هذا المسار:
في مصر : أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيرا على تشكيل العقل العربي سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا.
الدول الخليجية تعتبر مصر السند الاستراتيجي لتحقيق استقرارها السياسي لذلك تسعى إلى الحفاظ على ما يناسب أجندتها السياسية والدينية، وعدم تقديم الأطباق لاستغلال تيارات التطرف الإسلامي على حد نظر السعودية.
التحالف الثلاثي المذكور ومراقبون آخرون يعتبرون قطر خطر يسعى إلى فرض الذات عبر إنشاء دروع سياسية ومالية بالمنطقة من خلال سلاحها الإعلامي النووي.
يرى مراقبون أن قطر تدعم الحركة الاخوانية في مصر على حساب باقي التيارات السياسية الأخرى، كما أنها تحرص على قلب النظام العسكري اليوم في مصر.
في اليمن : قطر حسب التحالف الثلاثي تدعم الحوثيين الشيعة ضد النظام اليمني وتتهم بوضع العراقيل أمام المصالحة الوطنية، كما أنها كانت من المدبرين لوضع مشروع الدولة اليمنية الفيدرالية.
في ليبيا: تتهم قطر بدعم التيارات المتطرفة المساهمة في هز الاستقرار الداخلي وإشعال فتيل الصراعات الداخلية للحيلولة دون بناء الدولة الوطنية.
في سوريا: ينظر إلى قطر من قبل التحالف الثلاثي إلى اعتبارها الشيطان الذي شق صفوف المعارضة الداخلية لتقوية تيار على آخر ما ساهم في تمديد أمد النظام السوري القائم اليوم.
في البحرين : يتهم القطر الصحراوي الصغير بدعم جمعية الآفاق الشيعية وتسليح المعارضة البحرينية ودفعها إلى الثورة على النظام البحريني والأقلية السنية.
فقطر اشتغلت وفق مبادرة الوساطات ورأب الصدع بين الفرق المختلفة فيما بينها مثلما ساهمت في إخراج الحكومة اللبنانية الى الوجود من خلال حرصها على تنصيب ميشل سليمان من قطر. وردم الهوة الأزلية بين فريقي المقاومة الفلسطينية حركة فتح في مقابل حركة حماس فضلا عن وساطات أخرى متعددة لا تتسع مساحة هذا المقال لسردها، كان آخرها الوساطة مع النظام السوري لتحرير راهبات معلولة أمس.
-الحاصل أن هناك حركية و دينامية امتدت عبر سنوات لتصل إلى مرحلة الذروة اليوم، ما قلب أوجاع الخليجيين في المنطقة.
البعض يعتبر الأمر يتعلق بمحاولة إثبات الذات عبر الأب والابن اليوم وخط سياسي مستمر لا يتراجع. هذا التهديد الاستراتيجي المدعوم في نظر الفريق الثلاثي بالرؤية الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة خلف آثار سلبية على حسابات الجيران السياسية ، وبعثر الأوراق الداخلية وكلف عطاءات مالية متهورة، وخاصة من قبل السعودية والإمارات العربية المتحدة.
قطر اليوم تبحث عن دور مهم لها في صناعة خارطة طريق المنطقة ،ودور استراتيجي يعيد لها الاعتبار السياسي ويخرجها من مناخها الجغرافي الصحراوي والسياسي الثانوي. وهو دهاء يعتبره البعض يعكس فقر استراتيجي واضح.
وبين هذا وذاك هناك فريق ثالث يعتبر أن الخطاب القطري اليوم يدعم الخطابات الايديولوجية القومية لاعتبارات لا تعكس مصلحتها كقطر. فما جرى في سوريا ومصر جانب كبير منه منتج للفقر السياسي المحلي الذي لا يمكن أن يتغذى الا بوصفة طبية أمريكية.
فقد حان الوقت حسب التحالف الثلاثي، وبعد صبر كبير تجاوز صبر الحمير لابد من البحث عن شماعة لتعليق الأحكام وتبرير القرارات والسياسات، وهو ما وقع مع السعودية التي رأت الفرصة مناسبة وضدا على دعم قطر لحركة الاخوان المسلمين ، لتجريم هذه الاخيرة واعتبارها حركة ارهابية.
فوفق السعودية نضجت الشروط ووصلت ذروتها خلال هذا التوقيت لبث سياسة الهجوم باعتبارها خير وسيلة للدفاع.
موجز القول، الازمة محتدمة بين الطرفين وقد وصلت الرسالة من قبل السعودية والشاهد على ذلك سعي قطر اتجاه الصلح رغم معارضة صحافتها الورقية. فقطر والسعودية يشتركان في تدبير سلاحيهما الاعلامي. اذ ان اعلاميهما المحلي منغلق على نفسه ومهجر لمشاكله الى مناطق اخرى جعل منها مناطق للتوتر والصراع. ليبقى السؤال هل بات التخطيط الاستراتيجي والسياسي في المنطقة العربية اليوم حكرا على قطر والسعودية ؟
يحيى عمران.
(*) أستاذ باحث في تحليل الخطاب