المتشائمون جدا يرون أن المغرب لم يدخل بعد عهد الديموقراطية وأنه مازال يعيش مشاكل عديدة لا علاقة لها بقيم الديموقراطية كانتهاك حقوق الانسان وتفشي الفقر وسيادة الاستبداد.
المتفائلون يقولون إن بلادنا أسست لديموقراطية محلية متقدمة على باقي البلدان المجاورة، وأنها شكلت الاستثناء في المنطقة وهي بذلك تحاكي الديموقراطيات العريقة.
العقلاء يقولون أننا قطعنا أشواطا مهمة لكننا لم نبلغ بعد المستوى الضروري للتقدم ببلادنا إلى مرحلة أرقى ديموقراطيا، لأسباب ليست مرتبطة فقط بالنخبة السياسية بل أيضا بالمجتمع.
الصراعات الدائرة في بعض الأحزاب (فورة الاتحاد الاشتراكي مثلا)، مظاهر الفساد التي مازالت مستوطنة في بعض الإدارات، تعطيل قوانين موجودة وعدم تفعيلها، التأخر في استصدار قوانين جديدة لحماية المواطنين وممتلكات الدولة، ارتفاع نسبة الأمية، عدم تمييز عدد من أفراد المجتمع بين حقوق وواجبات المواطن، المد والجزر داخل المجتمع بين قيم المحافظة والحداثة، النزوع أحيانا نحو التطرف، حالات معزولة للشطط واستغلال النفوذ، سوء التدبير بمقاولات خاصة وشبه عمومية… كل هذه المؤشرات تجعل من المغرب بلدا مازال يتلمس طريقه نحو ديموقراطية حقيقية لا تنحصر فقط في التعددية الحزبية وصنادق الاقتراع، بل تجعل من الديموقراطية أسلوبا للحياة داخل مؤسسات الدولة وأيضا في المجتمع.
مئات الاحتجاجات اليومية التي ينخرط فيها مواطنون دفاعا عن مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، والتي تعززت مؤخرا بقطاعات لم تكن يوما لديها وسيلة للتعبير عن مواقفها (القضاة مثلا)، تناول وسائل الاعلام لفضائح بعض السياسيين (قضية الشكولاتة، وديبلومات بعض الوزراء…)، المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة (رغم علاتها).. هي مؤشرات أخرى على أننا نتلمس طريقنا نحو الحلم الديموقراطي وإن كنا نسير تجاهه بسرعة لا تواكب العصر.
مؤشرات أخرى أهم وهي التعبير الصريح للملكية على الرغبة في التطور وإمكانيته، بتقدم وتطور المجتمع والنظام السياسي، إشارات كثيرة ويومية في هذا الباب نتلقاها لكن مازال سياسيونا لا يملكون الجرأة على المضي بها قدما.
على النخبة السياسية أن تؤسس لقيم جديدة في الحوار والتفاوض واتخاذ القرار الصائب والاستجابة لمطالب المواطنين والاعتذار لهم إذا دعت الضرورة إلى ذلك، والتعامل معهم بشكل متساوي طبقا للقانون.
لا نريد انتظار هذه الديموقراطية الحقيقة لتصل إلينا كما انتظرنا وصول المطبعة الحجرية إلى بلادنا بعد 400 سنة على اختراعها، فالمجتمع المدني والسياسي لم يعودا يقبلان في عصر بلغ سرعته القصوى من التواصل انتظار أربعة قرون أخرى. وعلى البداية أن تكون من تفعيل كافة بنود دستور 2011 بنفس السرعة التي تم بها الاستجابة لمطالب الشباب.
بقلم محمد أبويهدة