إفريقيا قارة منهكة جدا. لقد مرت عليها قرون من الاستعمار الذي نهبها وتركها عرضة للفقر والجوع. وكل البلدان التي مرت منها فرنسا ذهبت ضحية لهذا المسار بما فيها الجزائر دولة الغاز والنفط. وبالنسبة للمغرب فقد ظلت القارة تمثل عمقه الاستراتيجي حتى وهي تمر بلحظات عسيرة عمل فيها المال الجزائري عمله. وكان الملك الراحل محمد الخامس ذا حس قوي واتجه بكل قوته لمساندة قوى التحرر من الاستعمار الغاشم. وفي ظل حكم الملك الراحل الحسن الثاني تميزت هذه العلاقات بالقوة مع البعض والقطيعة مع الآخر. وما زال المغاربة يذكرون علاقته بالحاج أحمد سيكوتوري والحاج عمر بونغو وليوبولد سيدار سنغور كما كانت لديه حساسية زائدة من الأنظمة العسكرية خصوصا تلك التي تولى فيها الحراس القيادة. إفريقيا قارة كبيرة وغنية لكن أنهكها النهب قبل الاستقلال وبعده. وظلت خيراتها حكرا على الدول الاستعمارية التي تحالفت مع نخب فاسدة. لكن لم تستفد الشعوب من الخيرات التي تختزنها هذه القارة المعطاء. واليوم فهمت إفريقيا، من خلال الرسالة المغربية التي يوحي بها جلالة الملك كل وقت وحين، أنه بعد إنهاء الاستعمار العسكري لا بد من إنهاء الإنهاك الاقتصادي، الذي أنتج الفقر والويلات والحروب الأهلية. ورحم الله الملك الحسن الثاني الذي قال ذات خطاب "إن خريطة إفريقيا وأنها صممت على طاولة مهندس" وذلك من أجل إدامة الصراعات الناتجة عن خلط في الحدود والتركيبات الاجتماعية والقبلية والعرقية والدينية. لكن اليوم دخلت إفريقيا مرحلة الصحوة التي لا غفو بعدها، حيث لم يعد مسموحا للدول بالعيش على ذيل العالم، ولم يعد مسموحا لها بالعيش في الهامش، ولكن أصبح مفروضا عليها التكتل بقوة في تجمعات اقتصادية، تفرض من خلالها شروطها على العالم حتى لا يتم رسم خارطته في غياب أغنى قارة في العالم بالثروات. اليوم يعود المغرب إلى إفريقيا التي خرج منها شكلا وظل متشبثا بها مضمونا وفاعلا وسطها. لكن لم تكن الظروف تسمح بفعل جاد داخل إفريقيا بفعل العمولات التي تقدمها الدولة الجزائرية من أجل شراء أصوات لربيبتها جبهة البوليساريو. لكن اليوم لم تعد إفريقيا المنهكة قادرة على الاستمرار في هذا النهج وفي هذه الطريق. وعاد المغرب الذي اكتسب خبرات بفضل وجوده على مقربة من القارة الأوروبية وبفضل خصوصياته وكذلك بفضل سرعة حسمه مع الاستعمار الذي لم يعمر فيه طويلا. المغرب يعود اليوم إلى إفريقيا حاملا خبرات كبيرة في الاقتصاد والتنمية وفي التصنيع وفي العقار. دخل المغرب لا ليعطي دروسا لدول أنهكها الاستغلال ولكن دخل في إطار التعاون بين أشقاء على استثمار خيرات القارة على حد قول المغاربة "ما نعطي خيرنا لغيرنا". ولم يدخل المغرب إفريقيا طامعا في شيء ولكن في إطار تعاون متوازن يستفيد منه الجميع. هذه هي صحوة إفريقيا التي تعبر عن غناها الاقتصادي والديني والثقافي والقادرة على تجاوز عثرات الماضي.
افتتاحية النهار