للكاتب الدكتور حاتم السكتاني
ثالث مارس الذكرى الرمز، الذكرى الغالية على قلوب المغاربة، الذكرى التي خلدت لعيد عرش مبدع المسيرة الخضراء المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني. إنها ذكرى اختارها ابنه البار ووارث سره صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله لزيارة بلد الأيقونة الراحل والعملاق أحمد سيكوتوري زعيم غينيا وإفريقيا ومحررها إلى جانب المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، وصديق المغرب الكبير في عهد الملك الحسن الثاني.
كلنا نتذكر كيف كان يحييي الغينيون ذكرى رحيل محمد الخامس في إحدى قاعات مدينة كوناكري مذيعين هذا الحدث غبر شاشات التلفزة المغربية والغينية (فلنرجع إلى أرشيف التلفزة، سنجد فيها ما يثلج صدورنا في هذا الشأن). لقد كان شعورا أخويا وحقيقيا وخالصا وعفويا بعيدا عن البروبـݣـندا والمجاملات البروتوكولية.
بزيارة جلالته لبلد غينيا الشقيق عادت عقارب الساعة إلى العهد الباكر وفجر الاستقلال، فوالله لم أر قط في حياتي حشودا بشرية بهذا العدد أتت لاستقبال عاهلنا المفدى في أي بلد كان بل وحتى حينما أسترجع صورا أخرى في ذاكرتي لا أجد لهذا الاستقبال نظيرا إلا حين عاد محمد الخامس منصورا من المنفى إلى وطنه وشعبه فكانت الأمواج البشرية تتسابق لمعانقته بحرارة وتهنئته بالرجوع التاريخي.
هي إذن علاقات متجذرة في التاريخ ومبنية على المحبة، محبة الشعوب التي لا تتغير بتغير القيادات والأشخاص. ونافلة القول إن من زرع بذور الأخوة لابد وأن يجني ثمارها في أوانها. أمثلة كثيرة تدعم هذا التصور، أمثلة من التراث المغربي بل والمغاربي من بينها أن "الحرث بكري بالذهب مشري" وأن "الفياق بكري بالذهب مشري".
فعلا لقد استيقظت العلاقات المغربية الغينية باكرا منذ استقلال البلدين بل وقبله بسنوات فكانت النتيجة أنها علاقات من ذهب، تماما كشعبي هذين البلدين اللذين فرقت بينهما المسافات والبلدان لكن علاقاتهما أمثن من بعض الدول القريبة. لقد لامسنا طيبوبة شعب غينيا وعفويته وأمله في أن يكون نموه وازدهاره علي يد الرئيس الغيني ألفا كوندي وأخيه الملك محمد السادس عبر مشاريع غير مسبوقة تدعم توجه المغرب نحو الرقي بأحوال الإخوة الأفارقة بعيدا عن المزايدات والحسابات الضيقة.
لاشك أن الرابحة أيضا ستكون فرنسا وعبرها أوروبا لما لهذه المبادرة من انعكاسات على أمن واستقرار هذه البلدان بل واستقرار أوربا عبر خلق فرص حقيقية للتنمية والتشغيل بهذه الدول، تحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين على البلدان الأوروبية التي تعاني من الأزمة. حق لها إذن أن تفخر برجال كمحمد السادس وألفا كوندي وكيتا وماكي سال وبولبيا وبونـݣـو والحسن واتارا والمنصف المرزوقي صانعي إفريقيا الحديثة، كما افتخرت في السابق بخمس رجال هم محمد الخامس وأحمد سيكوتوري وموديبو كيتا وهوشي منه والحبيب بورقيبة.
إن كل مساس بأمن هذه البلدان ووحدتها سيقود فرنسا والعالم إلى المجهول، والحكمة تقضي أن تراهن فرنسا وأمريكا على الملك محمد السادس لأنه قائد استثنائي بكل المقاييس يستمد شرعيته من محبة كل شعوب إفريقيا واحترامها لشخصه المتواضع، ومن إنسانيته المتدفقة ويده الممدودة للخير وبالخير، في كل يوم يفاجئنا جلالته بمبادرات غير مسبوقة وغير مألوفة. المغرب هو همزة الوصل وورقة أوربا الرابحة في إفريقيا، فبعد أن خرج من منظمة الوحدة الإفريقية مكرها، هاهو يعود إلى أدغال إفريقيا ليبنيها ويعبد طرقها ويعالج مرضاها.
نحن نؤسس إذن لعهد جديد، عهد يكون فيه المغرب منارة إفريقيا التي يمتد مدى شعاعها إلى العالم ويبعث فيه الأمل ويرسم الابتسامة في شفاه أطفال ونساء وشيوخ وشباب إفريقيا. كم كنا يا إخوتي في أمس الحاجة إلى تلك الحرارة الإنسانية المتبادلة بين الشعوب خصوصا بعد جفاء الإخوة الجزائريين. إن ما ننتظره بلا نفاق ولا طمع هو أن تكتمل فرحتنا ويأتي ذلك اليوم الذي يستقبلنا فيه الجزائريون في بلدهم كما فعلها الماليون والإفواريون والغينيون.
لقد تأخر ديك العلاقات المغربية الجزائرية عن الصياح، ونمنا لوقت طويل نوم أهل الكهف، واسترسلنا في الشخير والصفير. وخوفي أن نستيقظ متأخرين بعد أن يكون قد فات الأوان وابتعدت المسافات رغم التصاق بعضنا ببعض. أولا تقولون عندكم أيضا "الفياق بكري بالذهب مشري"؟ إيوا لعنوا الشيطان وطفيوا علينا هاد الغضب آلخاوة !!!!!!!!!